Page 150 - merit 54
P. 150

‫العـدد ‪54‬‬                                         ‫‪148‬‬

                                     ‫يونيو ‪٢٠٢3‬‬

  ‫كارتونية من ُبعد واحد‪ ،‬وخطاب‬                  ‫طه حسين‬                 ‫محمد رشيد رضا‬  ‫محمد عبده‬
       ‫سوق وصفقات وسمسرة؛‬
                                        ‫طوائف وملل‪ ،‬كما كانت في ظل‬      ‫الاجتماعية‪ ،‬السلطان النفعي للدين‬
 ‫فالخطاب الديني هو الآخر يتجلى‬        ‫الدول الإمبراطورية التي سقطت‬        ‫واستخدامه في الحياة العامة من‬
   ‫فيه هذا التشظي وتلك الطائفية‬         ‫مع الحرب العالمية الأولى‪ .‬ويتم‬                     ‫ِقبل السلطة؟‬
  ‫وذلك التفكك ويكون خطا ًبا ضد‬          ‫كبت أي صوت إصلاحي داخل‬             ‫قامت حركات إصلاح ديني في‬
   ‫الآخر‪ ،‬وتصبح الفتاوى بضاعة‬        ‫بنية الكنيسة إن لم يكن من داخلها‬    ‫الفكر الديني المسيحي منذ خمسة‬
     ‫في سوق وصفقات سمسرة‪.‬‬             ‫بالتهميش والمنع من المنبع‪ ،‬أو من‬        ‫قرون في أوروبا‪ ،‬وكنيستنا‬
   ‫فالخطاب الديني لا ينفصل عن‬          ‫خلال المواجهة الصامتة‪ ،‬فيكون‬          ‫الوطنية المصرية تحارب هذه‬
     ‫الخطاب العام‪ .‬ولذلك فالمفكر‬                                               ‫(البدع الدينية والهرطقات)‬
    ‫الذي يستسهل تعليق الشماعة‬              ‫المنع من خلال سلطة الدولة‬         ‫بمعاونة الدولة وسلطانها‪ ،‬في‬
  ‫على الأزهر وعلى الخطاب الديني‬      ‫وبطشها‪ ،‬في سبيل استقرار واهم‪.‬‬        ‫سبيل معاونة الكنيسة للدولة في‬
     ‫وحدهما هرو ًبا من المواجهة‪،‬‬
                                          ‫ليس الأمر أن التعليم الديني‬   ‫الاستقرار ومواجهة أحداث العنف‪،‬‬
 ‫والمعارك الحقيقية‪ ،‬وإثار ًة لمعارك‬      ‫ومؤسساته ليس لها دور ولا‬        ‫ومواجهة محاولة تحويل الصراع‬
‫(تنوير الفيديو جيم)‪ ،‬تنوير البدلة‬     ‫تأثير في ظاهرة العنف وفي بنيته‬
 ‫المكوية ذات الطنين والمتعة‪ .‬لكنها‬      ‫المعرفية‪ ،‬بل النقطة أن الخطاب‬      ‫في البلاد إلى صراع طائفي على‬
                                     ‫الديني هو جزء من الخطاب العام‪،‬‬        ‫أسس دينية‪ ،‬ومن ناحية أخرى‬
  ‫معارك أقرب للجعجعة بلا طحن‬          ‫هو تج ٍّل من تجلياته‪ .‬فحين يكون‬   ‫تطلق الدولة يد الكنيسة في التحكم‬
    ‫كا ٍف‪ .‬فنصف قرن من خطاب‬               ‫الخطاب العام خطاب نهضة‪،‬‬
                                       ‫يسعى إلى قيم التقدم‪ ،‬يتجلى هذا‬        ‫في حياة ومصائر ملايين من‬
‫(تنوير الفيديو جيم) الذي قام على‬       ‫في الخطاب الديني أي ًضا‪ ،‬وحين‬    ‫المصريين وفي أحوالهم الشخصية‬
‫أنقاض انهيار خطاب النهضة الذي‬         ‫يكون الخطاب العام خطاب تش ٍّظ‬
‫بدأ مع الطهطاوي في القرن التاسع‬      ‫وطائفية وتفكك واحتماء‪ ،‬وخطاب‬            ‫من زواج وطلاق ‪-‬أو بمعنى‬
                                         ‫تحويل الآخر إلى مجرد صور‬             ‫أصح عدم الطلاق‪ -‬حتى لا‬
  ‫عشر وسقطت معادلته التلفيقية‬                                             ‫يعرف المواطن إن كان يعيش في‬
   ‫بهزيمة العام السابع والستين‪،‬‬                                          ‫دولة ُتدار بالقانون أو ُتدار بحكم‬
  ‫أصبح الأمر كأن محاربة الأعداء‬
‫هي محاربة طواحين هواء بسيوف‬
     ‫من ورق‪ .‬فالحديث عن حرية‬
 ‫المرأة‪ ،‬وكأنها منفصلة أو معزولة‬
   ‫عن حرية الذكر! أو الحديث عن‬
    ‫حرية التعبير والرأي منفصلة‬

      ‫عن حرية المواطن السياسية‬
     ‫والاقتصادية! أو الحديث عن‬
 ‫حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر‬
‫منفصلة عن حقوق المواطنة ودولة‬
   ‫القانون‪ ..‬إلخ‪ .‬هي عملية تخدير‬
   ‫نتصور أننا نحارب‪ ،‬وأننا ننور‬
  ‫ونصلح وننتقد‪ ،‬وفي الواقع نظل‬

                ‫نسير في محلاتنا‬
   145   146   147   148   149   150   151   152   153   154   155