Page 50 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 50

‫إلى ألوهية‪ ،‬وكأنها تقفز بالمتلقي نحو‬                 ‫الجسد لايمكن إدراكه إلا عبر التصور‬
‫الميتافيزيقا‪ ،‬بالشكل الذي يصبح فيه‬
                                                     ‫الذي تعكسهالمرآة ورغبة الآخر‬

‫ديالكتيك الإيروس‪ /‬الثانتوس منظومة‬                    ‫فيه‪ ،‬تلكالرغبة التي تمكنه من‬

‫مغلقة؛ فالنرجسية الجنسية لدى البطل‬                   ‫التغلب علىمخاوفه وتساعده على‬
  ‫تتلخص في‪ :‬ابتهاجه بحب النساء له‪،‬‬

‫وفخره الذي يرتبط بوهم الفردانية‪،‬‬                     ‫إقصاءالشعور بالذنب‪ ،‬ولأن المصدر‬

‫ورغبته الدائمة في الوصول إلى الفردوس‬                 ‫الجنسي للغريزة في فترة شبابه وصباه‬
‫المفقود‪ ،‬إلا أنه رغم ذلك يعاني مع جنات‬

‫البحراوية من الإذلال النرجسي الذي‬                    ‫كانت مناطق التوتر الجسدي التي‬

   ‫تجلى في خجل الأنا من عجزها عن أن‬                  ‫ُيطلقعليها المناطق الشبقية‪ ،‬فالهدف‬
‫تسود سيادة فاعلة‪ ،‬فــ»عقب دخوله على‬
                                                     ‫الأكيد والأوحد يتلخص في سعيه‬
‫جنات جلس فوق مصطبة الدار وقال إن‬

‫ما رآه من المرأة يفوق حلم أى رجل‪ ،‬لأول‬               ‫لخفض التوتر‬
‫مرة يرى عر ًيا على هذة الروعة‪ ،‬أكمل من‬
‫كل خيال‪ ،‬وكاد يبكي من السعادة‪ ،‬ومن‬

   ‫الحسرة‪ ،‬فهو لم يعد الرجل الذي كان‪،‬‬                  ‫ذلك في وصف الكاتب له‪ ،‬وفي وصف زوجاته له‬
‫لأول مرة يشعر بأن امرأة أقوى منه»‪ ،‬بذلك تنتهي‬          ‫أي ًضا‪ ،‬فعندما قالت له غاية المنى‪« :‬أنه رجل ممن‬
                                                      ‫تسعد معه النساء حلق في الهواء بجناحيه»؛ فنراه‬
    ‫صولات عبد العاطي وجولاته‪ ،‬هو الرجل الذي‬          ‫يتسم بالحيوية والملل بسرعة من الحياة الروتينية‪،‬‬
    ‫ُحكم عليه أن يصطدم بالواقع مرة أخرى‪ ،‬ذلك‬         ‫ويلعب دائ ًما دور زير نساء؛ فنرجسية عبد العاطي‬
‫الواقع الذي ُيمثل له (جر ًحا نرجسيًّا) سمح بنضج‬
  ‫الأنا في شبابه واكتشافه نم ًطا جدي ًدا من الدوافع‬      ‫السمة الرئيسة فيها تعظيم الذات والحساسية‬
 ‫المكافئة لابتهاجه بالصورة القضيبية التي رسمت‬            ‫المفرطة لتقييم الآخرين؛ إلا أنه يتغلب على ذلك‬
  ‫له در ًبا ُيفضي إلى الألوهية؛ وعلى هذا النحو إنما‬     ‫باستعمالهم لتحقيق منافعه الشخصية؛ فعندما‬
‫يدين الإنسان بإنسانيته وبألوهيته أي ًضا إلى شقائه‬     ‫قرر الزواج من نعيمة الخرسا برر ذلك قائ ًل‪« :‬لا‬
                                                      ‫أتزوجها فراغة عين‪ ،‬أتزوجها لأن أرضها ودارها‬
                                         ‫الأول‪.‬‬

‫فيما ُيشبه الخاتمة‪:‬‬                                       ‫وحظيرتها تحتاج إلى من يرعاها‪ ،‬ونحن أولى‬
                                                     ‫برعايتها»؛ فها هو يهب نفسه للنساء بفعل الحاجة‬

   ‫في رواية برسكال جاء توظيف أحمد صبري أبو‬           ‫النرجسية القاهرة إلى أن يكون محبو ًبا‪ ،‬ولكنه في‬
‫الفتوح للجسد لأغراض فنية‪ ،‬أهمها كشف الجوانب‬           ‫الوقت نفسه ينبغي أن يرفض الاستسلام لهن؛‬

‫الاجتماعية المضطربة‪ ،‬واستطاع من خلال النسق‬           ‫فالإنسان النرجسي جنسي بالضرورة‪ ،‬ينسحب‬

‫المضمر لجسد عبد العاطي ملش الهارب من سلطة‬              ‫من العالم ولكنه أي ًضا ُيدهش الجميع بقدراته؛‬
 ‫الانتقام السائدة‪ ،‬أن يجعل غريزة الموت في مقابل‬      ‫فــ(الليبدو النرجسي) المتمركز على الأنا ُيعد في‬
  ‫غريزة الحياة‪ ،‬ويجعل تمرد البطل الذي استثمر‬         ‫الوقت نفسه مظه ًرا من مظاهر الغرائز الجنسية‬
‫طاقته الجنسية لتأكيد ذاته عنصر تشويق في بناء‬         ‫التي يسعى الكاتب في الرواية إلى جعلها متماهية‬

‫الرواية‪ ،‬والذي تم أو ًل من خلال ربط فترة بلوغه‬       ‫مع غرائز الحفاظ على البقاء؛ دلالة ذلك تتجلى في‬

‫الجنسي بالجوع المستمر كدليل على الحرمان‪ ،‬كما‬         ‫أن الأب عبد العاطي أسقط نرجسيته على الابنة‬

‫أن رصد علاقته الجنسية بالحمارة يعتبر توظي ًفا‬        ‫برسكال في سبيل استطالته النرجسية‪ ،‬بالتالي‬

‫الابنة تسقط خوف الأب من الفناء والتهديد وتحوله رمز ًّيا لحالة شاذة موجودة بالفعل في المجتمع دالة‬
   45   46   47   48   49   50   51   52   53   54   55