Page 47 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 47

‫‪45‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

‫استلاب وتذويب للهوية عبر السيطرة على الأفراد‪،‬‬           ‫الذي فرض هيمنته على الأم التي عانت الحرمان‬
   ‫والتساؤلات المطروحة ُهنا والتي تسعى القراءة‬       ‫والقمع‪ ،‬لينتهي الجزء الأول من حكاية عبد العاطي‬

 ‫الحالية للإجابة عنها تتلخص في‪ :‬هل تمكن الكاتب‬           ‫ملش بقتل عمه وفراره من الريدانية‪ ،‬هنا يقول‬
  ‫من رصد النسيج الاجتماعي الذي تحكم بمصير‬             ‫الكاتب‪« :‬كان يفر من جريمته ومن جلاديه»‪ ،‬كأننا‬
‫البطل؟ وهل استطاع البطل الذي أنكره أهله‪ ،‬والذي‬         ‫أمام العدوانية الآتية من المجتمع والطبيعة‪ ،‬والتي‬
‫أضيفت إليه الإثمية من مقاومة ذلك الواقع الصادم‬
  ‫والمحبط؟ وما هى الآليات النفسية التي اتبعها في‬         ‫أطلق عليها نيتشة‪ :‬إرادة القوة؛ فعندما تضعف‬
                                                    ‫الكوابح الاجتماعية تتفجر وحشية الإنسان الفطرية‬
                           ‫إخفاء معالم المكبوت؟‬      ‫فيه‪ ،‬ويبدأ الانتقال من الفعل الذي هو مسار الفرار‬
        ‫إلا أنه قبل أن يكون بمقدورنا الإجابة علن‬     ‫من عدوانية المجتمع إلى تحقيق الهوية‪ ،‬لتبدأ رحلته‬
    ‫تساؤلات القراءة الحالية لأحداث الرواية‪ ،‬علينا‬
        ‫كشف سعادة ما قبل الخطيئة‪ ،‬ثم الصدمة‬              ‫في الحياة ويتمكن من استثمار طاقته الجنسية‬
   ‫النرجسية في العلاقة بالموضوع الأم‪ ،‬ثم إسقاط‬         ‫في تأكيد ذاته ويتزوج عزيزة ابنة الشيخ إبراهيم‬
‫ذات البطل المثالية على الابنة برسكال؛ ليتم الاتحاد‬      ‫الدرباك‪ ،‬التي أنجبت له يونس ومرعي ويحيى‪،‬‬
    ‫النرجسي الباعث على استرجاع القوة المفقودة‬
                                                           ‫ثم يقع في غرام «غاية المنى»‪ ،‬التي كان أهلها‬
         ‫بواسطة الصورة الذهنية الأبوية المثالية‪.‬‬          ‫من الغجر وأطلق عليهم الناس لقب آل إبليس‪،‬‬
                                                        ‫والتي احترفت صناعة الأعمال والأحجبة وطرد‬
‫أو ًل‪ :‬الصورة المرآوية والأنا المثالي‬                  ‫الجن‪ ،‬والتي كان «في خياله يجردها من ملابسها‬
                                                          ‫ويتخيلها عارية ويمسح بيديه الخشنتين فوق‬
‫على افتراض أن سيطرة الحياة التناسلية على الحياة‬         ‫تكويناتها الرائعة»‪ ،‬والتي علمته مضغ الأفيون‪،‬‬
   ‫الجنسية يتم عندما تظهر الوظيفة البيولوجية إلى‬        ‫والتي أنجبت له برسكال وماتت وابنتها في سن‬
    ‫سحب قدر كبير من طاقة (الليبدو) الناشطة في‬           ‫ست سنوات‪ ،‬وفي طنبارة وقع في غرام فردوس‬
     ‫المناطق الشبقية وإخضاعها لها؛ فعلى المستوى‬         ‫الطرية‪ ،‬أرملة المرحوم جودة القصاص‪ ،‬وأنجب‬
    ‫البصري؛ ُيعد النظر هو العنصر الأساسي المهم‬        ‫منها الخضرة الشريفة والناعسة والجازية ورزق‪،‬‬
     ‫في مرحلة المرآة؛ ذلك لأنه كما يرى جاك لاكان‬        ‫ليقول لابنته ورفيقته في الرحلة برسكال‪« :‬أبوك‬
    ‫فإن النظرة للشكل الكلي للجسد تعطي للإنسان‬           ‫زرع جذ ًرا في طنبارة»‪ ،‬ثم تزوج نعيمة الخرسا‬
                                                        ‫طليقة ابن خالها وأنجب منها رمضان‪ ،‬ثم تزوج‬
 ‫سيطرة متخيلة عليه‪ ،‬وهو أمر سابق على السيطرة‬            ‫جنات البحراوية التي مات زوجها‪ ،‬وهكذا تمكن‬
‫الواقعية؛ لأن الصورة المرآوية‬
                                                                        ‫عبد العاطي ملش بطل الرواية‬
  ‫هنا بمثابة أنا مثالية لا يمكن‬                                        ‫من تأسيس وجوده في طنبارة‪،‬‬
‫إشباعها؛ لأنها متعالية‪ ،‬مدمرة‪،‬‬                                         ‫وتمكن من خلاله أحمد صبري‬
                                                                    ‫أبو الفتوح من توظيف الجسد وما‬
   ‫وساحرة‪ ،‬يتم إشباعها فقط‬                                          ‫يحمله من طاقات جنسية في خدمة‬
  ‫من خلال السعي إلى تحقيق‬
    ‫الذات وتأكيدها؛ فالصورة‬                                                     ‫أحداث الرواية؛ بحيث‬
‫التي رآها عبد العاطي ملش في‬                                                    ‫تصبح الطاقة الجنسية‬
 ‫المرآة لأول مرة‪ ،‬تشبه صورة‬                                                     ‫عبر الأنساق المضمرة‬
‫السيد‪ ،‬وهى التي ستشيد فيما‬
‫بعد علاقته بالواقع من ناحية‪،‬‬                                                     ‫وسيلة لرصد أحداث‬
    ‫وعلاقة عالمه الداخلي بعالمه‬                                              ‫الواقع الذي لا يعرف إلا‬
   ‫الخارجي من ناحية أخرى‪،‬‬                                                  ‫لغة القوة‪ ،‬وكشف هشاشة‬
 ‫كما أن افتتانه بصورة جسده‬                                                  ‫البناء الاجتماعي وما ينتج‬

                                                                                ‫عن تلك الهشاشة من‬

                                                    ‫أحمد صبرى أبو الفتوح‬
   42   43   44   45   46   47   48   49   50   51   52