Page 43 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 43

‫‪41‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

 ‫أيدي الثوريين‪ ..‬ولكن خاب فيهم الأمل‪ ،‬وتحطمت‬            ‫ولم يعودوا‪ ..‬أصدقاء قاتلت معهم وضاجعتهم في‬
                                        ‫المطامح‪.‬‬          ‫الكهوف‪ ..‬أنت لا تعرف عذوبة الجنس في لحظة‬
                                                          ‫الحرب‪ .‬في لحظة الموت‪ .‬عندما يموت المقاتل بعد‬
        ‫هل كانت «فلة بنو عناب” تمثل “العاهرات‬            ‫استراحة هانئة مع امرأة لا يأسى على شيء‪ ،‬لقد‬
     ‫المقدسات”؟ إ َّن الراوي يصورها مماثلة لأنثى‬                ‫أخذ الجسد‪ ،‬وأعطى‪ ،‬ثم نام مرتا ًحا”(‪.)20‬‬
  ‫العنكبوت‪ .‬تمتص دماء ضحاياها‪ ،‬لكنها تدافع عن‬                ‫ثم تقدم تبري ًرا أغرب لحرصها على «مزاولة‬
‫نفسها أمام “مهيار الباهلي”(‪ )23‬بأنها تأخذ وتعطي؛‬          ‫الجنس» بإفراط مع أشخاص متعددي الجنسية‬
‫تأخذ الدم وتعطي الحنان البديل لحنان الأم ودفئها‪.‬‬
 ‫إ َّنها َت ْعرف جي ًدا مواطن خللها لكن تؤمن كذلك بما‬   ‫والقدرات‪ ..‬يظهر ذلك في الحوار التالي بينها وبين‬
   ‫تفعل‪ ،‬حيث إنها َف َق َد ْت كل شيء‪ ،‬لذا تنسحب إلى‬                                   ‫“مهدي جواد(‪:)21‬‬
‫غلاف حام تعرف أفقه جي ًدا؛ «الجسد»‪ ،‬لقد جاوزت‬
‫العقد الرابع من عمرها‪ ،‬لكنها لا تزال تحتفظ ببعض‬                     ‫“اسمع‪ ..‬سأقول لك شيئًا خا ًصا عنا‬
     ‫طزاجة الجسد‪ ،‬وبكل طزاجة الرغبة وفورانها‪.‬‬           ‫نحن نشتهي الفرنسي‪ ،‬والجزائري والعربي م ًعا‪..‬‬
  ‫وعلى الرغم من أن «مهيار الباهلي» تجنب الدخول‬
    ‫إلى حومة جسدها طوي ًل؛ لأنه مشغول بالثورة‪،‬‬                              ‫هل تستطيع أن تتكهن لماذا؟‬
     ‫الوفي لأم الأولاد وراءه في العراق‪ ،‬فإنها تأويه‬                                    ‫‪ -‬لا‪ ،‬تكهني لنا‬
     ‫لديها‪ ،‬وتتعلق به‪ ،‬وتعامله كأنه رجلها‪ ،‬إلى أن‬
 ‫تأتي اللحظة التي تصهرهما وتوحدهما م ًعا‪“ :‬يبدأ‬                       ‫(ترمي َو َدعها ثم تخط في الرمل!!)‬
  ‫الجسد نوبات البرد والحرارة‪ .‬أمطار من الصقيع‬            ‫‪ -‬هو صوت الدم المبدد‪ ..‬أو الشهوة‪ ..‬أو العبث‪..‬‬
 ‫تهطل على الجسد النحيل فيبدأ الرعشات ورقصات‬              ‫أو رغبة الاستبدال‪ ..‬آ‪ ..‬هذا ما تقوله‪ ..‬ولكن‪ ..‬أنا‬
    ‫الأسنان‪ ،‬ورجفان الأطراف‪ .‬لكن القلب يثب من‬
    ‫مكانه صاع ًدا خارج الأضلاع‪ ..‬كانت صرخات‬                ‫أسألك‪ :‬الجميل‪ ..‬والغريب‪ ..‬والغني‪ ..‬والذكي‪..‬‬
    ‫الآلام والطفولة والموت تترامى في أرجاء البيت‪،‬‬      ‫والمغامر‪ ..‬والشهوي‪ ..‬والفنان‪ ..‬والشجاع والقوي‪..‬‬
 ‫كأنها أصداء نعي لرجل يحتضر‪ .‬أحست فلة بأنها‬
                                                                          ‫هل يحتازها كلها رجل واحد؟‬
                                                                                           ‫‪ -‬لا‪ ،‬طب ًعا‪.‬‬

                                                             ‫‪ -‬الجزائرية في بلادنا تحلم بهذه الجمهورية‬
                                                         ‫المفقودة من الرجال‪ ..‬من أجل ذلك تخون إذا كان‬

                                                                ‫البحث عن تلك الجمهورية يسمى خيانة‪.‬‬
                                                                              ‫‪ -‬هذا‪ ..‬ماذا تسمينه فلة؟‬

                                                             ‫‪ -‬بحث مشروع عن الحق الطبيعي‪ ..‬حق أم‬
                                                                                              ‫لا؟”(‪.)22‬‬

                                                                           ‫هذا الكلام يعني ‪-‬بمنطق فلة‬
                                                                         ‫بو عناب‪ -‬أن “مزاولة الجنس”‬
                                                                        ‫مع جنسيات متعددة‪ ،‬وأصحاب‬

                                                                           ‫قدرات متنوعة إقامة مشروع‬
                                                                             ‫جمهورية تسودها الأخلاق‬

                                                                           ‫الطبيعية الأولى‪ ..‬وهي أصيلة‬
                                                                          ‫في نظرها‪ ،‬متجذرة في الطباع‪،‬‬
                                                                           ‫سلوكها الجنسي يعيد الأمور‬
                                                                       ‫إلى وضعها الاستحقاقي العادل‪..‬‬
                                                                            ‫فكأن قيامها باعتناق الجنس‬
                                                                         ‫واحتضانه سلو ًكا يحقق معاد ًل‬

                                                                             ‫موضوعيًّا للجمهورية التي‬
                                                                            ‫كانت منشودة ومرجوة على‬
   38   39   40   41   42   43   44   45   46   47   48