Page 44 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 44

‫لا نطمئن لمحاولة "السارد" تفسير‬

‫يجد قلبه مفتو ًحا على «الموت» الذي‬                ‫العلاقات الجنسية ومحاولات ربطها‬
‫يود أن يهجع إلى حضنه‪« ،‬فمهدي‬
                                                  ‫بالتحولات الاقتصادية في عصر "أنور‬
‫جواد» يدخل مع «آسيا» في لحظة‬

‫عناق حميمة‪ ،‬لكنه ينهيها بأن يطلب‬     ‫السادات"‪ .‬فماذا يقول إذن عن العلاقات‬
‫أن تفتح له أبواب البحر الذي يقترن‬            ‫الجنسية والتجارب التي وصفها‬

   ‫عند «مهدي» بالموت‪ ،‬ونلاحظ في‬

    ‫المشهد التالي اقتران متعة الجسد‬                   ‫وصورها وشارك بها في موسكو‬
‫بالموت‪« :‬الجسدان العارمان المزهران‬                ‫وجنيف ووارسو وغيرها؟! أو تلك التي‬
‫كالليل الربيعي‪ ،‬المصطدمان والألاقان‬

  ‫كحد المدية‪ ،‬يرتفعان وينخفضان‬       ‫صورها وشارك بها في مدن "السودان"‬
‫ويتماوجان‪ ،‬ثم يتعانقان كأفعوانين‬          ‫وفي "الأقصر" و"القاهرة" قبل عهد‬
‫بين الحشائش الندية‪ ،‬واقعين تحت‬

‫السطوة البرية للدم وهو يندفع من‬                   ‫الانفتاح الاقتصادي؟!‬
  ‫الرأس والعمود الفقري وفجوات‬

‫الجسم التي اجتيحت بالنار‪ ،‬خائفين‬

‫تحت دفعات اللذة من اقتراب صرخة‬

‫الموت القادمة”(‪.)26‬‬                               ‫تتهاوى من ذروة جبل‪ ،‬غير قادرة على فعل شيء‬

‫أمام هذه الحالة المباغتة‪ ..‬لا هي درت ولا هو‪ ،‬متى وحرصت الرواية على صنع «الاشتهاء الجنسي»‬
‫وذلك بإيماءات كثيرة منها قوله «بأصابعه مسح‬
                                                  ‫انجلت ريح الثلج‪ ،‬وكيف هبطت حرارة ليل بونة‬
‫عليهما في ذلك الصباح الجهم‪ ،‬فبدأ التعرف والوهج على عضلات ساقيها الباردتين الناصعتين»(‪،)27‬‬
‫وهذه الإشارة ارتبطت بإيماءة أخرى لم يعل ْن عنها‬
                                                  ‫لجسدين عاريين طال توقهما‪ .‬كم بدت الحمى‬
‫مريحة في أعقاب الثلج‪ ،‬وكم كان الجسدان دافئين مباشرة؛ فوصف الساقين بالبرودة يعني اقتران‬
‫وحميمين وقادرين على عزل الموت ونفيه في لحظة المسح عليها بتعبيرات ستظهر على يد «مهدي‬
‫جواد»‪ ،‬ولن يشعر بذلك سوى «آسيا لخضر»‪ ،‬كما‬
                                                  ‫التجاسد الحريرية الوهاجة”(‪.)24‬‬
‫أن الإشارة إلى نصاعة الساقين تعني أن ثم تعبي ًرا‬
                 ‫بالعين سيرتبط بالمسح عليهما‪.‬‬     ‫لقد مثلت «فلة بو عناب» أعلى الأصوات وأقواها‬
                                                    ‫في عالم «الجنس المنهوم»(‪ ،)25‬والخمر والعبث‬
‫والاستهتار‪ ،‬والوقاحة والتبجح‪ ،‬وكان لها من قوة هذا التشابك في التعبير لن يؤدي إلا إلى دلالة‬
‫«الاشتهاء الجنسي»‪ ،‬وهو ما جعل «آسيا لخضر»‬
                                                  ‫التأثير ما مكنها من شد «مهيار الباهلي» من عالمه‬
‫الأيديولوجي المثالي الذي لا مكان للمرأة فيه‪ ،‬والذي ستدرج «مهدي جواد» إلى التصريح به دون‬

‫لا يشغله إلا التفكير في الثورة إلى «عالمها الجنسي» الإيماء‪ .‬فهي تريد أن تستمتع بذلك التصريح‪،‬‬

‫كما تود كذلك أن تداعبه‪ ،‬وأن تؤكد أخي ًرا موقفها‬   ‫المفضوح‪ .‬وعندما أصابته «الحمى العاتية» التي‬
 ‫تجاه «التواصل الجسدي»‪ .‬لكنه يواصل «إيماءه‬        ‫أشرفت به على الهلاك‪ ،‬قدمت جسدها إليه‪ ،‬فلما‬

‫الشهوى» بأن يمسك برسغها‪ ،‬ويجمع إلى ذلك‬            ‫انفكت أزمته المرضية والنفسية‪ ،‬اعتقد أن الترياق‬

‫«وخ ًزا لرسغها»‪ ،‬كأنه ينبهها إلى معنى عليها أن‬    ‫كان في هذا الجسد‪ ،‬وصرح أن هذا كان تضحية‬

‫تلتفت إليه‪« :‬بأصابعه مسح على عضلات ساقيها‬                              ‫وافتداء عظي ًما منها‪.‬‬
 ‫الباردتين الناصعتين‪ .‬كانت الآن أمامه‪ ،‬ناهضة‬      ‫من الملحوظ ‪-‬على امتداد الرواية البالغ عدد‬

‫كفقمة مولودة من زبد البحر وسألته بماذا‬            ‫صفحاتها ‪ 690‬من القطع المتوسط‪« -‬اقتران‬

‫يفكر الآن‪ .‬قال‪ :‬أشتهيك‪ .‬وصاحت احتشم أيها‬          ‫الجنس بالموت»‪ ،‬وهذا ما نراه لدى «مهدي جواد»‬

                                     ‫الذي ما إن يصل إلى وصيد النشوة اللانهائي حتى الفاسق!»(‪)28‬‬
   39   40   41   42   43   44   45   46   47   48   49