Page 49 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 49

‫‪47‬‬             ‫إبداع ومبدعون‬

               ‫رؤى نقدية‬

‫سيجموند فرويد‬                 ‫جاك لاكان‬                ‫إنما يرتبط بالخبرة الخاصة بالتعيين الذاتي»(‪)2‬؛‬
                                                         ‫كأن هناك راب ًطا ما بين تخيل الموضوع ورغبة‬
 ‫حتى الموت؛ فنراه يخاطر من أجل السطوة‪ ،‬فتنتقل‬          ‫البطل في استعادته؛ ذلك لأن الأنا يتم تشييده في‬
   ‫علاقة السيد‪ /‬العبد من مسرح الحياة الخارجي‬        ‫علاقة بآخر جسدي‪ ،‬اتضح ذلك في تساؤل برسكال‬
  ‫إلى المسرح النفسي الداخلي‪ ،‬لذلك وفي كل فصول‬          ‫لنفسها عندما علمت برغبة والدها في الزواج من‬
                                                    ‫جنات‪« :‬هل تصل الرغبة في امرأة برجل حد إرهاق‬
‫الرواية نجد أن الطاغية في الداخل لا ي ُكف عن اللوم‬    ‫الروح؟»‪ ،‬ولأن الأنا متخيل فهو ُيعبر إ ًذا عن بناء‬
    ‫وتوجيه أصابع الاتهام(‪ ،)5‬ونرى أي ًضا الدوافع‬      ‫وهمي باعث على الاغتراب؛ بمعنى أن عبد العاطي‬
                                                     ‫ملش منافس لذاته‪ ،‬دلالة ذلك تتضح في الخلط بين‬
 ‫العدوانية التي تظهر في أحلامه كأن جسده أصبح‬         ‫الذات والآخر في الأحلام والذي يدل على رغبته في‬
‫مفصو ًل عنه‪« ،‬يرى عمه يغرق‪ ،‬وإذا بأعضائه كلها‬          ‫رغبة آخر‪ُ ،‬هنا نلاحظ أن المتخيل يحرك الدوافع‬
                                                       ‫البدائية باستعباد جزء من الطاقة الجنسية‪ ،‬التي‬
    ‫مشلولة‪ ،‬وصدره يطبق على رئتيه‪ ،‬ويرى جم ًل‬             ‫ُتنشط الجسد من أجل حيازة التقدير والصيت‬
    ‫يغرس أنيابه في رقبته‪ ،‬أو كلبًا يقطر اللعاب من‬       ‫والقوة والعزوة‪ ،‬فالرغبة هنا هى أبسط صورة‬
   ‫أنيابه وهو ينهشه‪ ،‬يحاول الفرار فلا يستطيع»‪.‬‬         ‫للوعى بالذات‪ ،‬حتى وإن كانت المازوخية الأولية‬
  ‫وفي ُحلم آخر»رأى نفسه مطرو ًحا في النعش‪ ،‬وفي‬           ‫المؤلمة التي تقع بين المتخيل والرمزي والناتجة‬
     ‫ظلام القبر رأى وجه عمه‪ ،‬حاول النهوض فلم‬             ‫عن غياب الأم كموضوع تم الاستمتاع بها في‬
‫يستطع‪ ،‬أعضاؤه كلها كانت عاجزة»‪ .‬وفي حلم ثالث‬          ‫تشييد علاقة أبوية مع الابنة برسكال؛ فمن خلال‬
 ‫«رأى نفسه في مكان فسيح‪ ،‬ورأى رج ًل ملفو ًفا في‬         ‫لعبة الغياب‪ /‬الحضور استطاع البطل على نحو‬
  ‫كفنه‪ ،‬اقترب منه وكشف وجهه‪ ،‬وإذا به هو ولكن‬          ‫رمزي إقصاء الأم سيكولوجيًّا ثم بعثها من جديد‬
   ‫بملامح عمه‪ ،‬لم يكن قاد ًرا على فعل شيء‪ ،‬حتى‬         ‫في حضور الابنة؛ ليصبح في لعبته فاع ًل‪ ،‬نلاحظ‬
                                                       ‫أي ًضا حالة الخواء الجنسي التي اقترنت بالرغبة‪،‬‬
                                      ‫الصراخ»‪.‬‬      ‫والتي ترتب عليها ذهاب الأم وحلول الرمزي محلها‬

 ‫ثال ًثا‪ :‬الجنس كوسيلة للحفاظ على الذات‬                                       ‫«الخضرة الشريفة»(‪.)3‬‬
                                                     ‫من ناحية أخرى إذا تناولنا الأزمة التي مر بها عبد‬
        ‫على افتراض أن شخصية عبد العاطي ملش‬
   ‫هيستيرية؛ فهو يتطلع إلى إيجاد الاستحسان من‬         ‫العاطي ملش من منظور سيجموند فرويد والذي‬
‫الآخرين‪ ،‬ويحاول إثارة النساء من خلال سلوكياته‬         ‫عرف الإنسان بلغة رغبته؛ فقانون الأب يقوم على‬
 ‫ومظهره؛ إذ يهتم كثي ًرا بجاذبيته الجسدية‪ ،‬اتضح‬        ‫النفي؛ لأن العلاقة بين الأنا والأم علاقة ُمحرمة؛‬

                                                        ‫فكان على بطل الرواية أن يتخلى عنها‪ ،‬وإذا كان‬
                                                       ‫فرويد قد سبق البنيويين جمي ًعا في الكتاب الذي‬

                                                         ‫ألفه عن الحضارة ومواجعها في بيان الصراع‬
                                                         ‫الأوديبي‪ ،‬فإن جاك لاكان يرى الأب في المثلث‬
                                                         ‫الأوديبي على أنه الدال وليس الأب البيولوجي‪،‬‬
                                                      ‫إنه الأب الميت‪ ،‬وتلك هى المنطقة التي يتسلل فيها‬
                                                         ‫الموت إلى مفهوم الرغبة‪ ،‬وهذا الموت كما يقول‬
                                                         ‫لاكان يؤسس في الذات أبدية الرغبة(‪ ،)4‬أحداث‬
                                                     ‫الرواية تستبطن هذا المعنى بوضوح؛ لذلك تم نفي‬
                                                       ‫الأب الذي هو العم أو الكبير من خلال قتله‪ ،‬كما‬
                                                       ‫أن تأكيد الذات لم يتم إلا من خلال نضال البطل‬
   44   45   46   47   48   49   50   51   52   53   54