Page 74 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 74

‫العـدد ‪24‬‬                           ‫‪72‬‬

                                                             ‫ديسمبر ‪٢٠٢٠‬‬

‫عمار علي حسن‬

‫في حضرة الجميلات‬
‫(نص)‬

  ‫الزرقاء وأنت تتطلعين إلى أجنحة الغضب المقدس‬                          ‫(‪)1‬‬
      ‫التي ترفرف في الميادين يوم الزحف الأكبر‪.‬‬
                                                       ‫بعد كل هذا الصراخ في الساحات‪ ،‬والريح التي كنا‬
 ‫الآن لا رأى شيئًا له جناح سوى ضفائرك العفية‪،‬‬            ‫نطلقها في الشوارع النائمة فتهب هاتفة وتتبعنا‪،‬‬
  ‫حين تهتز في وجه الأيام البليدة‪ ،‬لكنها لا تحجب‬          ‫والنور الذي كان ينساب من قبضات أيدينا التي‬
 ‫عني كل ما نذرت له نفسي‪ .‬هنيئًا لك بانكساري‪،‬‬             ‫تدق الهواء فيبدد العتمة‪ ،‬سأقف هنا في منتصف‬
  ‫هنيئًا لي به‪ ،‬فالجسد الذي يتأهب كي يخونني في‬            ‫الطريق‪ ،‬غريب في الشوارع‪ ،‬أرى الظهر ضحى‪،‬‬
‫هذا العمر‪ ،‬سرعان ما ينتفض على كفيك‪ ،‬ويعود إلى‬
  ‫سيرته الأولى‪ ،‬غير هيَّاب بشيء سوى أن يفرش‬           ‫وشمس الصيف غي ًما رماد ًّيا كثي ًفا‪ ،‬والنور ظ ًّل‪ ،‬ثم‬
   ‫طري ًقا آمنًا وسي ًعا أمام قدميك التي تتقدمان إلى‬  ‫أمضي مسرب ًل بليل بهيم‪ ،‬لا أري من الدنيا سواها‪،‬‬

                           ‫الأمام في أرض حرة‪.‬‬              ‫في أيامها الأولى‪ .‬كانت تجري بين يدي فرحة‪،‬‬
                                                       ‫تضرب ضفائرها السوداء الريح‪ .‬لم أكن أدري في‬
                 ‫(‪)2‬‬                                  ‫هذه اللحظة أن هذه الصغيرة المفعمة بالبهجة تنسج‬
                                                      ‫لي من خصلاتها قي ًدا ناع ًما‪ ،‬ربما يكون مشنقتي في‬
    ‫وأنت هناك حيث لا أعرفك‪ ،‬ولم أر بعد محياك‬
  ‫البريء‪ ،‬وأنت تكرهين الضيق‪ ،‬وتتوقين إلى براح‬                                     ‫قادم أيامي العصيبة‪.‬‬
   ‫العيش‪ ،‬كنت موجو ًدا دون أن تريني‪ ،‬فليس كل‬          ‫يا فلذة كبدي التي ذهبت عني‪ ،‬ما تطلبينه أمر‪ ،‬أنت‬

   ‫ما لا يرى فرا ًغا‪ .‬أنا من ظل رزقه الوفير معل ًقا‬      ‫هناك ترفلين في عرقي‪ ،‬يتجمع حتى يصير نه ًرا‬
 ‫في السماء‪ ،‬فنزل حين وضعت يدي في يدك للمرة‬              ‫فتسبحين فيه فوق أجنحة الفرح‪ ،‬وليس بوسعي‬

   ‫الأولى‪ .‬ليس بوسعي أن أنسى أن ما يملأ بطني‬               ‫سوى أن أتعرق بلا توقف كي أمد نهرك بماء‬
    ‫راقد في كفيك‪ .‬ربما كنت في أحلام ليلك‪ ،‬أو في‬                                                ‫جديد‪.‬‬
 ‫شرودك بينما الشمس تملأ الأرض نو ًرا‪ ،‬أو كنت‬
‫في السطور التي تخطينها على الورق‪ ،‬وأنت تتمنين‬           ‫لا أهاب السلطان‪ ،‬ولا السجان‪ ،‬لكني رهن إشارة‬
                                                      ‫من خنصرك الغض‪ .‬لا أريد يا ابنتي أن أحملك فوق‬

                                                          ‫طاقتك‪ ،‬وأنا الذي رأيتك ترقصين أمام الشاشة‬
   69   70   71   72   73   74   75   76   77   78   79