Page 75 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 75

‫‪73‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

    ‫وما يسري‪ ،‬وما يلوح هناك في صفحة السماء‬            ‫أن يفتح الله لك الباب نحوي‪ .‬ليس بوسعي أن‬
  ‫البعيدة‪ ،‬ويتهادى حتى يحط في المسافة الفاصلة‬        ‫أنسى أنني أشرب ماء حياتي من بين أصابعك‪،‬‬
                                                  ‫التي تتراقص في فرح‪ ،‬لأن الحياة أعطتك بعض ما‬
    ‫بيني وبينها‪ ،‬فتقطفها أصابعنا التي تتلاقي في‬    ‫كنت تريدينه‪ .‬مكلف أنا بأن أرفرف وراء أحلامك‬
‫لهف‪ ،‬لتقتل المسافات‪ ،‬والأوقات‪ ،‬فيعود الذي راح‪،‬‬        ‫المجنحة‪ ،‬التي لا تتوقف عن الطيران‪ ،‬وأن أرى‬
‫يتجلي في كل ما يحضر‪ ،‬وأصير أنا من مات والذي‬       ‫طريقي لا ينتهي سوى إلى البراح الذي تقفين فيه‪،‬‬
‫ُولد‪ ،‬وتصير هي ما يستعصي على العدم‪ ،‬وهي ما‬        ‫ترقصين امتنا ًنا‪ .‬لست سوى دعوتك التي أطلقتيها‬
                                                    ‫في أيام شدة‪ .‬أنا النافذة التي شققت لها الجدار‪،‬‬
                                      ‫قد ُوجد‪.‬‬       ‫كي تطلي عليَّ‪ ،‬وأنا جالس هناك في انتظارك عند‬
                                                  ‫أطراف الأرض‪ ،‬أو تحت صفحة السماء المعلقة بها‬
                ‫(‪)4‬‬                                ‫قلبك‪ .‬أيتها الطيبة التي تمنت من الله فجاد عليها‪،‬‬
                                                    ‫اعتبريني بعض جوده الذي لا حد له‪ ،‬فأنا أدرك‬
 ‫لا تحسبي أن الروح قد خمدت حين طالك الجسد‪.‬‬         ‫هذا‪ ،‬ولذا أزلت الحوائط بيني وبينك حتى قبل أن‬
‫هل بوسعك أن تتحملي حلم الأمس‪ .‬رأيتك‪ ،‬كما كنت‬     ‫أولد‪ ،‬فإن قام جدار حتى لو كان خفي ًضا ه ًّشا ففي‬
                                                 ‫هذا موتي‪ ،‬لكنك لا تدعيني أموت أب ًدا‪ ،‬فكل الجدران‬
 ‫أنت في زمان حرماني منك‪ ،‬جالسة في مقعد قريب‬         ‫تنقض وتزول تحت وابل دعواتك الصامتة‪ .‬أيها‬
     ‫مني‪ ،‬بعيد عني‪ ،‬فأدركت أن كل ما جرى ليس‬         ‫المطر الذي من دونه لا تمضي قدم َّي سوى فوق‬
                                                 ‫اليباب‪ .‬أيتها الدنيا التي رسموا حظي فيها‪ ،‬وحددوا‬
‫بوسعه أن يشبعني‪ ،‬وأنني مهما ارتويت فلا ينتهي‬      ‫كذلك نصيبي من الآخرة‪ ،‬فوق باطن كفك اليمنى‪.‬‬
                                         ‫ظمئي‪.‬‬
                                                       ‫افتحيها كي آخذ ما لي‪ ،‬واغفري نزقي وجهلي‬
      ‫أنا لا أزال ذلك العاشق الذي يتخذ من دموع‬         ‫بمقامك يا طفلتي التي تنير ضحكتها طريقي‪،‬‬
 ‫فراقك مدا ًدا كي يكتب لك بعض ما يمكنه أن يبوح‬    ‫فأمضي مطمئنًا‪ ،‬ما وراء ظهري لي‪ ،‬وما هو أمامي‬

                                                            ‫لك‪ ،‬فأنت الآتية‪ ،‬وأنا الراحل في الغياب‪.‬‬

                                                                  ‫(‪)3‬‬

                                                  ‫تلك التي يعيش ف َّي ماضيها كحاضرها‪ ،‬وحاضرها‬
                                                    ‫كماضيها‪ ،‬بينما الآتي قد ذهب‪ ،‬والذاهب قد أتى‪،‬‬
                                                     ‫فيحتضن الذي راح ذلك الذي تنتظره‪ ،‬ويتوقف‬
                                                      ‫الزمن أمام مكانها‪ ،‬ويتمدد المكان أمام زمانها‪.‬‬

                                                  ‫هذه التي هي أنا‪ ،‬وأنا الذي هو هي‪ ،‬وكل الضمائر‬
                                                 ‫وأدوات الوصل تتهادى إليها‪ ،‬وتكون لها‪ ،‬فتأخذها‬
                                                 ‫وتهديها إل َّي‪ ،‬فأقبلها وأردها إليها‪ ،‬فهي لها بما فيها‬
                                                 ‫أنا‪ ،‬وهي لي بما في هذا كل الذي تريده‪ .‬هي شيخي‬
                                                 ‫وأنا مريدها‪ .‬هي مريدي وأنا شيخها‪ .‬معها تحضر‬

                                                     ‫كل المقامات‪ :‬السكر والغياب والشهود والذهاب‬
                                                     ‫والإياب‪ ،‬وذلك الذي يقف على باب الزمن‪ ،‬وهي‬
                                                   ‫التي دخلته دون أن تدعو أح ًدا كي يتبعها‪ ،‬سوى‬
                                                  ‫أنا‪ .‬وذلك الذي هو أنا أتبعها غير عابئ بما يجري‪،‬‬
   70   71   72   73   74   75   76   77   78   79   80