Page 80 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 80

‫العـدد ‪24‬‬   ‫‪78‬‬

                                                     ‫ديسمبر ‪٢٠٢٠‬‬

     ‫مولاي‪ ،‬وأنت تظنين أن الولاية روح خالصة‪،‬‬            ‫عروقهم ما يؤدي إليها‪ ،‬ويجعل اللائي تهيم بها‬
‫وصمت وموت وانتماء إلى عالم الجماد‪ ،‬وليست من‬               ‫تصرخ‪ :‬يا إلهي‪ .‬هن ترين الله في تلك النشوة‬
                                                          ‫الصاخبة‪ ،‬واللذة الخالصة‪ ،‬والطيران فوق كل‬
 ‫روح ودم‪ ،‬وهي أشد إخلا ًصا لأهل الطريق‪ ،‬لأنها‬
  ‫تبدأ من الإنسان إلى السماء‪ ،‬بالذوبان‪ ،‬وهو جزء‬        ‫شيء في لحظة لا تلبث أن تنطفيء لكنها تترك في‬
  ‫من المجاهدة‪ ،‬وليس العكس كما تصور الغافلون‪،‬‬           ‫الذاكرة علامة‪ ،‬وفي الجسد ندو ًبا حميدة‪ ،‬بأن الله‬
  ‫شرط تحقق الإيجاب والقبول بالمحبة‪ ،‬فإن وصل‬          ‫ليس هناك في الصوامع والقلايات وزوايا الاعتكاف‬
 ‫الإنسان إلى السماء بعدها لم يفارقها حتى لو حط‬         ‫فحسب‪ ،‬بل يوجد حين يكتشف كل منا نفسه في‬
   ‫على الأرض قلي ًل‪ ،‬ليلبي نداء جسد يهزه الهوى‪.‬‬        ‫لحظة يحسبها خاطفة‪ ،‬لكنها تناديه دو ًما‪ ،‬لتذكره‬
                                                      ‫بأنه أنسي‪ ،‬بشر من طين‪ ،‬يسري في الشوارع من‬
                 ‫(‪)8‬‬                                   ‫لحم ودم‪ ،‬وليس من طيف وريح‪ ،‬وما عليه إلا أن‬
                                                        ‫يمارس إنسانيته بلا شرط ولا قيد‪ ،‬ويعرف أن‬
   ‫في كل أحوالكن أنتن لي‪ ،‬ليس غرو ًرا إنما فيض‬         ‫خالقه موجود في الذي توهم أنه بعيد عنه‪ ،‬فحتى‬
‫محبة‪ ،‬تعلو فوق كل ما أريد‪ ،‬لكن من رسم ووسم‬
                                                           ‫حين يرتعش جسده‪ ،‬علينا أن نسأل أنفسنا‪:‬‬
      ‫يرمي بكن في بحر الغواية‪ ،‬ويقول بلا ورع‪:‬‬                     ‫‪ -‬هل يمكن أن يهتز شيء بلا سبب؟‬
                               ‫‪ -‬هذا لا قرار له‪.‬‬
                                                     ‫ترتج الأرض بالزلازل‪ ،‬ومراكب الأنهار بالفيضان‪،‬‬
                       ‫وأقول لكل واحدة منكن‪:‬‬          ‫والسفن في المد‪ ،‬والطائرات في العاصفة‪ ،‬أما البشر‬
                                  ‫‪ -‬أنت القرار‪.‬‬      ‫فلا يهز أجسادهم سوى الحمى والعشق‪ ،‬والأفضل‬
                                                       ‫لهم أن ينسوا الحمى التي تحمل في جرابها الموت‬
 ‫فأي عزم هذا بوسعه أن يتجاهل المستقر الحنون‬
    ‫الدافئ‪ ،‬الذي ليس لكل الرجال منه نصيب‪ .‬إنه‬             ‫والهذيان‪ ،‬ويكتفوا فقط بذلك الذي يهز الفؤاد‪،‬‬
                                                       ‫فيمس الروح‪ ،‬فترسل فيضها إلى حاملها الجسد‪،‬‬
 ‫الرحم‪ ،‬هو لها‪ ،‬وليس له‪ ،‬فكيف بعد هذا أن يقول‬         ‫فينتفض خاف ًقا‪ ،‬ويستيقظ الشغف بكل فاتن يرى‪،‬‬
                                        ‫أحدهم‪:‬‬
                                                                     ‫حتى يهدأ على عتبات من لا يرى‪.‬‬
                       ‫‪ -‬دع لي تحديد ما بينكما‪.‬‬        ‫ربما لا تدركين هذا يا سيدتي الجميلة‪ ،‬لأن أح ًدا‬
                                      ‫أرد عليه‪:‬‬      ‫لم يحدثك عنه من قبل‪ ،‬ولم تحسينه أب ًدا لجهل من‬
                                                       ‫كانوا معك به‪ ،‬لكنه موجود كنافذة تطل على باب‬
            ‫هي تحدد وتعلم‪ ،‬وتنكر‪ ،‬وأنا أعذرها‪.‬‬         ‫وسيع عميق لا نهاية له‪ ،‬فإن قفزنا منه على جمر‬
  ‫وبين هذه وهذه يموت الزمن والمسافات‪ ،‬ويتجلي‬          ‫لذة تقودنا للعبور إلى ما تآلف عليه الذين يدركون‬
  ‫ذلك الذي بوسعه أن يحب ثلاث جميلات‪ ،‬ويمكن‬
‫لسعيره أن يرسل ألسنة ناره لتشعل شوقهن إليه‪،‬‬                 ‫من الناس أن العشق أوله الانجذاب‪ ،‬وآخره‬
   ‫وحين يضطرم ما بين الهيام والهيام‪ ،‬تدرك كل‬              ‫الذوبان‪ ،‬وقتها فقط يمكننا أن ندرك أن البوح‬
                                                      ‫والبراح والفطرة والانعتاق من كل قيد هو السبيل‬
                              ‫منهن أنه لها فقط‪.‬‬           ‫إلى بلوغ الغياب‪ ،‬وحين يغيب الجسد من فرط‬
‫يا أيها الساعي بين ما أنا فيه وما أريده‪ ،‬وما يتوق‬     ‫حسه‪ ،‬تستيقظ الروح‪ ،‬فتجد سرها معها‪ ،‬حتى إن‬
                                                       ‫ضنت به علينا‪ ،‬ففي هذه اللحظة التي يتطابق فيه‬
    ‫إليه الذين لا أريد ي 	أ ذكرهأريد أن أكون‬          ‫الجسد مع الروح‪ ،‬كانطباق مثلث قائم الزاوية على‬
   ‫في نظرهم رو ًحا خالصة يتبعها لحمي وعظمي‪،‬‬           ‫أخيه‪ ،‬يمكن للناس أن يدركوا أن هناك آفا ًقا أخرى‬
‫فجسدي يأخذني بعنف‪ ،‬ولا أمل لي سوى أن أعتبر‬             ‫لم يبلوغها في حياتهم المترعة بالشقاء‪ ،‬وأن حبس‬
 ‫نداءاته أي ًضا قربى‪ ،‬لأنه عطاء الله‪ ،‬هو له‪ ،‬والروح‬  ‫الجسد عن بلوغ طيرانه بدعوى أن في هذا استيقاظ‬
    ‫إما تهذبه أو تكون طيعة له‪ ،‬ولا روح أجمل له‬
 ‫سوى ما يمسه الساعون‪ ،‬وحدهم الذين يتوقفون‬                           ‫للروح هو محض ادعاء‪ ،‬بل افتراء‪.‬‬
                                                          ‫فاعذري أيتها العاشقة عاشقك الذي تخاطبينه‬
                                 ‫أحيا ًنا ليأسلوا‪:‬‬
                ‫‪ -‬من وحدها التي تسكن الروح؟‬
   ‫الله في النساء‪ ،‬إنهن أكثر فه ًما‪ ،‬رغم كل ما يقال‬
   75   76   77   78   79   80   81   82   83   84   85