Page 82 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 82
العـدد 24 80
ديسمبر ٢٠٢٠
جوخة الحارثي
(سلطنة ُعمان)
زيارة
حقيبتي ،وكذلك أعدد ُت منذ الأمس الحجج اللازمة قرر ُت أن أزور الرجل الذي أحب.
لوجودي هنا في حال صادف ُت أح ًدا ،وهكذا رفع ُت اختر ُت أكثر الأوقات عادية ،ربما الضحى أو
رأسي ،تنفس ُت بعمق ،وسر ُت بحذائي الرياضي العصر .إذن كان الوقت ضحى أو عص ًرا وكن ُت
على رخام الدرج ،لكن قلبي كان من الصخب بحيث في الشارع الذي يحمل اسم ملك الجان والرياح،
أوشك أن يص َّم أذن ّي .لمح ُت ق ًّطا أسود يمر ُق من لكني لم أفلح في تحديد مدخل البناية ،إذ كانت
بيت السلم ،تذكر ُت قص ًة يابانية عن عجوز سقطت البنايات متشابهة والأرقام ممحوة ،وكنت أعرف
أن للبناية بابين ،باب أمامي يجلس قدامه حارس،
في غيبوبة فافترستها قططها بعدما كادت تهلك وأمام الحارس صناديق مقلوبة مصفوف عليها
جو ًعا في البيت المقفل .تخيل ُت حش ًدا من القطط، علب سجائر وعلكة ومحايات ملونة ومسابح
ستهاجمني وتدميني ،وحين ينزل حبيبي ليشتري فضية وأقلام رصاص وبالونات مطفأة في أكياسها
الشفافة ،والحارس لا ينادي على بضاعته ،بل
حاجياته سيجدني جثة ممزقة ،ولكن الطابق يتصرف كأنه خجل منها نو ًعا ما ،فيجلس على
الأرضي كان هاد ًئا في الحقيقة رغم ق ّطه العابر مبعدة نافثًا دخان سجائره بحيث لا يبدو متعل ًقا
وعتمته الخفيفة واجتزته بسلام إلى الطابق الأول. بتجارته الصغيرة ،وعلى مقربة بحيث لا تغدو هد ًفا
أفضى بي الدرج إلى ممر أقل إعتا ًما على جانبيه
أربع شقق متقابلة ،اضطررت للمشي فيه من سه ًل للصوص الصغار.
أقصاه إلى أقصاه بحثًا عن الممر الرابط بين جزئي أما الباب الخلفي فكان غير محروس ،غير أن
البناية ،ولكن لم يكن ثمة ممر .بدأت أتعرق بشكل الشقق التي يفضي إليها غير متصلة بالشقق التي
خفيف وأنا أصعد الدرج للطابق الثاني ،ولم أستطع يفضي إليها الباب المحروس ،إلا في أحد الطوابق،
كبح جماح التفكير في أني أصبحت مثله؛ أتعرق حيث يربط ممر طويل بين قسمي البناية ،الأمامي
والخلفي ،وكنت لا أعرف أي طابق هو .غلب على
حين أتوتر ،وقد كان هو متوت ًرا أغلب الوقت، ظني أن الباب الخشبي الثقيل الكالح هذا هو المدخل
ومتعر ًقا .في البدء ُدهش ُت من الأشياء الصغيرة الثاني ،وأن البناية هي هذه ،رغم أني لا أستطيع
اللانهائية التي توتره ،فأنا قد نشأ ُت على البساطة تفحصها عن ُبعد لأتأكد من شكل شرفاتها ،التي
في حياتي وتعقيده أثار دهشتي .ثم تكيفت مع قلقه قد يقف حبيبي الآن على أحدها متكئًا على الدرابزين
بمرور الوقت ،وتعلمت كيف أتغاضى عن مبالغاته يدخن ويفكر ف ّي ،أو يشرب شايه الثقيل بالهيل ولا
الدرامية في مواقف تبدو لي تافهة ولا تستحق حتى
التفكير فيها .ربما كن ُت أمضي بلا وعي في طريق يفكر ف ّي.
التشبه به ،وها أنا في الطابق الثاني ،ويداي ترجفان دخل ُت بثق ٍة مصطنعة ،وكن ُت قد حرص ُت قبل
قلي ًل إذ اكتشف ُت ألا ممر هنا غير الممر الرئيس خروجي أن ألبس ثيا ًبا لا تثير الانتباه ،وألا أضع
وعلى جانبيه الشقق الأربع ،المتطابقة الشكل تقريبًا زينة على وجهي ،وحشر ُت الوردة النضرة في
مع شقق الطابق الأول ،وقفت أمام إحداها أستعيد