Page 87 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 87
85 إبداع ومبدعون
قصــة
الإيقاع .هاهي تنقلب على ظهرها ،فتسكن حركتها تستعطفه طلبًا للقليل من المال .كان ال ّصغير يتابع
ُبرهة وعنقها ُمشرئبّة صوب ال ّسماء وعيناها تبرقان صرخات بائع ُمتجول يدفع «برويطته» ويهرول
من ش ّدة الهلع وكلما عاودتها رغبة الانتفاض ه ّمت ُمبتع ًداُ ،متطل ًعا إلى أعوان التراتيب البلدية ،خشية
ُمصادرة رزقه أو تعر ّضه إلى الإهانة و»ال ّصفع»
فلم تقدر وق ّل عزمها وفتر عنفوانها حتى كادت في فتح ّسس وجهه كأ ّن َما يحميه ،وخ ُفت صوته الذي ظل
الختام أن تبدو ميّتة.
ُينادي من بعيد «كاكي كاكي كاكي».
تراءت في زاوية بعيدة من ال ُبحيرة ،بجعة كبيرة تض ّرع الفتى قائ ًل:
سوداء تشوب أجنحتها المُشرعة لمسات رمادية ،تتق ّدم
-أرجوك يا سيّدي ،هبني بعض المال أشتري به
في حركات عنجهية ملؤها الخيلاء ،فما إن رصدتها كاكي ،أقذفه للبجعات.
حتى اندفعت نحوها فلم تخطئها وأغشية مخالبها
تص ّفق فوق صفحة الماء الذي تطاير برشاش عنيف، ناوله هاشم بغيته وأجزل له العطاء فاندفع يركض
جعل جوقة الطيور المفزوعة من حولها تزدحم في ويتنطط فر ًحا والقطع المعدنية تنس ّل من بين أنامله
الفضاء ثم أطبقت منقارها العريض على عنقها الذي وتتبعثر فيجثم على العشب مفتّ ًشا عنها في لهفة ،لكن
الوقت لم ُي ْسعفه فيجت ّث قبضات من العشب ويهرول
تراخى نحو الماء وكادت تبتلع رأسها في قضمة ناحية ال ّصوت .من أطراف تلك المياه الناعسة وفي
واحدة ،وط ّوحت بها يمنة ويسرة فلم تبد المسكينة الجانب الجنوبي الذي غ ّص بسيقان القصب ،تر ّددت
حرا ًكا ،ولم تدفع عنها صولة المُعتدية التي ج ّرتها
إلى القاع ،حيث تزداد المياه القذرة دكنة ،وغاصت زعقات ُمفزعة وفوضى من الخفقان بالأجنحة،
وبرزت من عمق ال ّدغل بجعة صغيرة ،تسبح القهقرى
بها إلى المجهول فتغرغر الماء بأنفاسهما ،وثاخت
صفحته تحت ثقل جسديهما ،ثم سكن كل شيء على ُمؤخرتها المغروزة في الأوحال ال ّضحلة ث ّم
وطال ُمكوثهما في الأعماق فوق ما تتحملان ،وكانت تد ّرجت نحو الأعماق وقد ص ّدتها كثافة المياه الثقيلة
الفقاقيع تطل من حين إلى آخر وتنفثئ ،وهاشم يقط ُع فكانت تنحرف في كل م ّرة إلى وجهة ُمغايرة ،مدفوعة
أنفاسه م ّرات وم ّرات ليتنبأ بزمن انبعاثهما ،ولم تأت
بهياج عصبي وجناحاها ُيص ّفقان بحركات عديمة