Page 83 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 83
81 إبداع ومبدعون
قصــة
أنه سيعيد تشكيله ،سينحته من جديد ،ويتملّكه. أنفاسي ،خشب الباب المغلق محفور بتشكيلات
أُطبِ ُق على يديه فيقول :يداي ل ِك ،ولكن هذا كان هندسية ،و ُخيِّل إل ّي أني أسمع صوت شخير ،ربما
مجرد مجاز ،ما لم تدخل اليدان فم البجعة القبيحة
لا يكون شخير رجل ،ماذا لو كان شخير قط
فلن تكونا لي أب ًدا. ضخم ،يحدس وجودي المرتبك خلف الباب وينقض
شدد ُت قميصي الأبيض كأنما لأنفضه ،وارتقي ُت عليّ بمخالبه؟ إذا نزل حبيبي للتنزه سيجدني مرمية
الدرج إلى الطابق الثالث ،شمم ُت رائحة طبخ، هنا عاجزة عن الوقوف من الخوف والخموش.
وسمعت أصوا ًتا خافتة لبرنامج تليفزيوني ،وحين فكرت للحظة في التراجع ،لو نزلت السلالم الآن
وقف ُت في الممر على حافتيه الشقق الأربع ،كان باب وخرجت للشارع ودر ُت حول البناية واشتريت
إحداها شبه مفتوح ،ومنه ينساب صوت المذيعة أو علبة علكة من الحارس وقفل ُت راجعة لانتهى كل
شيء :شخير القط الضخم ،والأبواب المتشابهة،
رائحة الطعام ،ولم يكن الممر الواصل بين قسمي والتعرق والرجفة .لكني لم أستدر .كن ُت أمشي
البناية هناك ،وخطر لي فجأة أنه ربما لا وجود
لهذا الممر إطلا ًقا ،وكل مدخل لهذا المبنى يفضي داخل حلمي ،وعلى حلمي أن يمشي معي إلى
إلى جزء منفصل ،والشيء المؤكد هو أنني في منتهاه .كان يقول لي :أنت عنيدة ،أعرف أنه محق.
الجزء الخطأ .انسلّت طفلة من باب الشقة الموارب، أو ربما ليس مح ًّقا ،ربما تعود ُت فقط أن أكمل
نظرت إل ّي لبرهة بعينين دامعتين ،ففتشت في كل شيء أبدأه ،ولا أستطيع ببساطة ترك دائرة
مفتوحة ،عليّ أن أغلقها ،أن أحفظ القصيدة حتى
رأسي عن الحجج التي ح ّضرتها ،غير أن الطفلة آخرها وأن أصعد السلالم حتى بيته .تخ ُّيل بيته
لم تسألني شيئًا ،أحكمت قبضتها الصغيرة على يه ّدئني ،ويمنع العرق الخفيف من التدفق وإفساد
ما يبدو أنه نقود وقفزت السلالم هابطة ،وشريط رائحة صابوني وعطري ،بيت صغير ،فيه كرا ٍس
شعرها الأصفر يكاد ينح ُّل ،هل ستشري البالون خشبية منسوخة من لوحة «غرفة في آرل» لفان
من الحارس؟ أم ستعبر الشارع لدكان الحلويات جوخ ،ومنحوتات من الحجر والخشب والورق هي
فتقشر الغلاف المفضض للشوكولا بفرح ينسيها محور حياته وجوهر روحه ،لا أقدر على تصور أي
دموعها؟ لم أتصور وجود صغار هنا ،كان لحبيبي شيء آخر في بيته؛ مطبخ؟ مقلاة؟ خزائن بأرفف
امرأة في زمن ما ،ولكن لم يكن له أطفال ،وإذ كان نظيفة؟ معلبات؟ قط؟ لا أدري ،المنحوتات تستحوذ
يجد صعوبة بالغة في تدبير شؤون الحياة اليومية، على خيالي ،لم أفهم أب ًدا كيف يمتلك هذا الصبر كله
والتعامل مع البشر ،فإن مشهده محا ًطا بأطفال لا على النحت ،كلما ازدادت منابع فنه غمو ًضا ازدادت
يمكن تصوره .ماذا لو رغب ُت أنا في طفله؟ لم أسأله رغبتي في احتوائه ،تخيل ُت نفسي بمنقار البجعة
الضخم الذي كان مرسو ًما في كتب الابتدائي لتعليم
هذا قط. القراءة بالإنجليزية محش ًوا بقطع الجبن المثلثة،
ضوء ساطع يأتي من مكان ما ،وأنا أكتشف أن وأنا أفتح فمي ألتهمه وأخ ّزنه في مخبأ البجعة مع
لجميع الشقق أرقاما زوجية ،إذن فالشقق حاملة منحوتاته الفريدة .كلما التقينا أهداني شيئًا صنعه
الأرقام الفردية هي في القسم الآخر من هذه البناية، بنفسه :دمية صوفية مطرز عليها الحرف الأول
القسم الذي تجنبته هر ًبا من أن يقتنصني الحارس من اسمي ،فانوس ورقي في داخله شمعة ،حمامة
على بابه .لعل مصع ًدا أيضا في ذلك القسم ،ولكن خشبية عيونها خرز أسود ،ي ٌد خشبية أصابعها
المؤكد أنه لا يعمل أو أن حبيبي لا يستخدمه ،إذ تشبه الجناح ،طائر الفلامنكو من الجص ،أقراط
يحدثني كيف تأتيه الأفكار الجديدة وهو يمشي أو صغيرة بنفسجية ،صدف ملون منظوم في عقد .قال
يصعد السلالم ،كان م َّشا ًء عظي ًما ،جاب المدينة كلها بأنه عثر على الصدف في كهف جبلي لا في شاطئ،
تقريبًا على قدميه ،وكانت هذه هي طريقته الوحيدة وص ّدق ُته ،كان ساح ًرا بيدين ثابتتين كالمعجزة ،كلما
لمواجهة العالم ،عالم طالما أثار ذعره .التفكير في قب َض على خامة أتى بالفتنة ،وإذا لم َس وجهي أعرف
الذعر جعلني أدرك أني مذعورة ،وإذا لم يجدني
وهو ينزل ليجوب المدينة محد ًقا في خوفه ممزقة