Page 79 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 79

‫‪77‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

‫نفوسكم بأن الحب الأصيل بوسعه أن يتزحزح كما‬
           ‫يجري للصخر حين يتقادم عليه الزمن‪.‬‬

  ‫الصخر لي يا صديقتي‪ ،‬رهن إشارتي‪ ،‬لأن نفسي‬
 ‫أقوى منه‪ .‬هو لا يملك سوى أن يتهاوى حين أقرأ‬

    ‫عليه وردي وعزائمي في العشق‪ ،‬وكل ما تحمله‬
  ‫رغبتي في هداية الناس إلى المودة‪ .‬والعشق عندي‬
‫هو الذوبان في الذي خلق‪ .‬أمنية هي‪ ،‬وستظل‪ ،‬فمن‬
    ‫ذا الذي بوسعه أن يذوب في كل ما كان ويكون‬

    ‫وسيكون‪ ،‬لكن بوسع كثيرين منا أن يذوبوا في‬
                ‫معشوقهم الذي هو من لحم ودم‪.‬‬

  ‫يا صديقتي أنت من بين الذين تقاطرن على درب‬
   ‫الزمن‪ ،‬هذه تبقى‪ ،‬وتلك تمضي‪ ،‬وكأنها لم تكن‪،‬‬
    ‫لا يبقى منها سوى شبح ذكرى‪ .‬بقيت واحدة‪،‬‬

     ‫بل اثنتان‪ ،‬هذه التي آمنت‪ ،‬وأنت التي انتظرت‬
  ‫في إيمان‪ .‬وأنا صاحب القلب المثقل دو ًما بالغرام‪،‬‬
 ‫أعرف أن الإحساس لا يوزع على الكل بالتساوي‪،‬‬
 ‫فكل على قدر صبره وعطائه وإيمانه‪ ،‬وأنا على قدر‬

                                 ‫عزمي وطاقتي‪.‬‬
   ‫وطاقتي يا أيتها التي تحلق معها روحي‪ ،‬ليست‬

        ‫منبتة الصلة عن جسدينا‪ ،‬فهما فقط اللذان‬
  ‫بوسعهما أن يرسخا المحبة عند بني البشر‪ .‬لسنا‬

      ‫ملائكة يا أيتها التي تضن على الدنيا باسمها‬
  ‫ورسمها‪ ،‬ولا تعرف ما يسري في الشرايين حين‬
 ‫يرى ذكر أنثى‪ ،‬وترى أنثى ذك ًرا‪ ،‬ولا تريد أن تقر‬
‫بأننا لسنا شياطين تكتفي بالشهوة الصارخة التي‬
  ‫تقود إلى التيه‪ ،‬ولا ملائكة ترى في موت الاشتهاء‬
 ‫حياة‪ ،‬بل إننا بشران يريان الله في اللذة‪ ،‬فلا جسد‬

     ‫ينبض بصدق سوى مع روح هائمة‪ .‬إننا نحن‬
   ‫الذين اصطفانا الله‪ ،‬وجعلنا خلفاء له‪ ،‬وخلقنا في‬

     ‫أحسن تقويم‪ ،‬فهل يكتمل التقويم الحسن بلا‬
 ‫ارتعاش الجسد حين تفيض الروح‪ ،‬وتحلق الروح‬

          ‫بعد أن يسكن نداء الجسد‪ ،‬أو تصاحبه؟‬
‫يا أيتها التي تتساءل‪ ،‬عما بين اللذة والغياب المحلق‬

    ‫من اتصال‪ ،‬أقول لك إن هذا الإنسي النازع إلى‬
  ‫الكمال‪ ،‬لا تمام له إلا بالطيران معك‪ ،‬فهو لا يرى‬
   ‫الروح تحلق إلا بعد أن يشبع المسكون بالأرض‬

     ‫والساكنة فيه فيفارقها‪ ،‬فغير ذلك هو سيكون‬
  ‫ابن ما ليسوا ببشر‪ ،‬أو هو في معية أناس متعبين‬
   ‫متقاعدين‪ ،‬فارقتهم طاقة المحبة‪ ،‬بعد أن جف في‬
   74   75   76   77   78   79   80   81   82   83   84