Page 89 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 89
87 إبداع ومبدعون
قصــة
يقتنص الفرصة ليلتقط لها سلسلة من ال ّصور ت ْن ِسل من ملكوت سرياليُ ،مؤلفة كل عالمه اللامرئي.
الفريدة ،تلك وحدها التي يمكن أن تر ّده إلى عالم الف ّن شعر في لفتته المُفاجئة بارتجاج عظيم ،كأ ّنما تص ّعد
الذي سلاه ،فتح ّركت غريزة ال ّرسام في كل ارتجافات في ال ّسماء ثم وقع في بحيرة من العسل ،هو ذاته
كيانه ،وتراءت له الإلهامات والعواطف التي ستحمله الوجه الآتي من الغيب من تشكلات القصيدة والذي
إلى ض ّفة المجهول. جثم حانيًا عليه ليلة البارحة ،رحيق بلون عين النسر
يكمن الس ّر في قسمات ُمحيّاها المُفعمة باللطافة ،وفي ال ّصافيةُ ،ح ّف بأهداب ُبنّية معقوفة تتشعشع أطرافها
ذلك التدفق ال ّروحي الهادئ الذي يمكن أن ُتعبّر عنه ب ُصفرة ذهبية ،وعينان ليس لهما شكل لوزي كبقية
ُعذر ّية الطبيعة البكر ،وخلاصة الأشياء البدائيّة قبل العيون بل كانتا ُممت ّدتين كنصل عريض يواجه
خلق الماهية ،دون أن يكون للنضج العمري أي سلطان قرص ال ّشمس ،فيسلبه ل ّب شعاعه ويعكسه ليحطم
عليه ،يتج ّل في تلك الحيو ّية الفطر ّية ال ّسابقة لأوانها به قلب ال ّرائي .لم تتجاوز تلك الفتاة الثلاثة عشر
التي ألهمت نابوكوف ،وما هو بوجه فاجرة ّصغيرة ربي ًعا ،بذات ال ّروح التي تتج ّل من أبيات القصائد
ال ّزرقاء ،إ ّنها ال ّروح التي كان قدرها أن تبحث عنه
مثل «لوليتا» ،إ ّنه الوجه ال ّسماوي للكمال الأنثوي في هو في البحث عنها ،ذات الوجه الذي أشرق وي ُج ّد
المُصفى من الشوائب ،وجه جنّية يب ّقع نضجها ال ّروح، هذا ُمط ًّل من فجوة النّور ،فأي قدر أن ُيطارده خياله
المُحيّا في كل مكان ،يتعبّده أو يموت في محرابه ،ذلك
كما يبقع ثمر التوت الشوارع ال ّرخاميّة بلون خمري الوجه النّواة الذي تطوف حوله كل
فاتن ،سطوة من ال ُحسن ال ّرباني ،تجعل الشياطين
آيات الوجوه من عهد آدم ،وتتشكل
تلازم المحاريب وتخ ّر ُر ّك ًعا إلى الأذقان .فتنة تتح ّدى
ال ّزمان ُتداوره وتخترق زمن ال ّشاعر وال ّرسام ال ّداخلي منه الأبجد ّية ،وي ْستقطره المجاز
في أقصى ُحدود اللغة .فتح ّسس
ف ُتعيده طف ًل ،ويصير ِت ْر ًبا لها أو تغدو هي بعمر عدسته دون أن ُيلفت إليه الأنظار
كعمره .أنف ملكي وشفتان رقيقتان كأ ّنما ُعجنتا
من قشور ال ُبرتقال البليلة ،شعر غزير ذهبي وظل
ك ُشعاع ال ّشمس ،رنت بمقلة عسليّة
فحاورته بديوان كامل من
البلاغةُ ،مختز ٍل في
رحيق من المجاز
سابق لخلق اللغات.
كانت روحها وليمة
شهيّة للبكاء واغتسا ًل
بال ّدموع ليس بعده