Page 94 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 94
العـدد 24 92
ديسمبر ٢٠٢٠
هاني القط
َح ِدي َق ُة ال ُف ُصول
بالماء ،ومسقيّة زهورها من قبل البستاني ،يدخل -1
الأحبة؛ وتكمل العربات طريقها إلى نهاية المدينة
حيث المقابر التى تستقبل هي الأخرى زائريها، تلمع المقاعد الخشبية ،شبه الخالية من الجالسين،
بطلاء ُيظهر جمال عقد ثمرة الخشب .تنتشر تلك
المؤقتين والدائمين دون موعد! المقاعد في أرجاء الحديقة العامة التى تحتل مساحة
من غرفة بوفيه الحديقة الخشبي؛ تشدو ليلى مراد نصف فدان على الأقل ،الحديقة ممتلئة بأشجار
بصوتها الناعم عبر الراديو الفيليبس الأخضر تعلن
ُيشار إليها عبر لافتة بأنها أشجار نادرة ،فعلى
على الجالسين أن الحب جميل.. اليمين شجر ليلك ولوز م ّر ،وعلى اليسار شجر
تنهض البنت حائرة العينين من مقعدها وتسير على بتول سامق وممشوق بأوراق نحيلة خضراء ،وفي
الوسط تتر ّبع شجرة تين بنغالي هائلة الحجم؛ يهيأ
مم ّر مبلّط ،طولها معقول وشعرها الأسود الفاحم لعيون الجالسين في هيام الحب أن فروعها تخترق
يرتمي خلف ظهرها مفرو ًدا ،بخجل تتوقف لتسحب السحاب! وبين الممرات هناك الكثير من الأحواض
المزروعة بال ُف ّل والجارونيا والريحان والأكاسيا،
لأعلى ،حزا ًما عري ًضا يحيط بخصرها الرفيع؛ ثم وغيرها من الزهور المتعددة الألوان والأشكال ،يطل
تعاود التق ّدم بتعثّر مخافة الوقوع ج ّراء كعب من بينها الورد البلدي الأحمر كسيّد للزهور في كل
حذائها العالي الذي لم تعتده ،وحيث مقعد يتو ّسط الأحواض.
الحديقة تجلس وعيناها على البوابة. البنت فقيرة الجمال ،والجالسة على المقعد الخشبي،
الشمس تخترق أفرع شجرة التين البنغالي تبدو وكأنها تتم ّل زهور شجرة ال ِعنّاب الأبيض
الضخمة ،راسمة على الأرض السمراء بق ًعا من الرقيقة والتى تتو ّسط زهرتها بذرة سمراء تشبه
ضوء ُت َما ِث ُل ِ -ف غير تمام -فراغ الفروع .البنت حبة القرنفل ،لكنها في الحقيقة تتم ّل الوجوه الداخلة
التي تنتظر؛ تداعب شعاع الشمس وتصنع بأصابع
كفها؛ ظ ًّل لطائر يتحرك على الأرض وتبتسم دون من بوابة الحديقة بحذر بالغ واضطراب.
باب الحديقة الحديدي عريض ويط ّل على الشارع
نسيان تم ّل القادمين.
عامل بوفيه الحديقة النحيف؛ يسير بخطوات العمومي الواصل بين أول المدينة وآخرها .منذ
مسرعة ،ويش ّد إلى حجرته الخشبية خرطوم الماء العاشرة صبا ًحا تبدأ عربات الأجرة بالتوقف أمام
بعدما انتهى البستاني من عمله .وخلال دقائق باب الحديقة ،ينزل الأحبّة أيديهم بأيدي بعضهم
يخرج البستاني بمق ّصه الأصغر ليقطع بعض
الزهور ،وعلى إثره يخرج عامل البوفيه راف ًعا بباطن منتشين بصوت زقزقة العصافير المتنقلة ب ِخ ّفة
كفه؛ صينية نحاسية عليها كوب شاي وعصير بين أفرع الشجر الأخضر .في ذلك التوقيت تكون
برتقال تلبية لطلب عاشق ْين ،ورغم ُبعده عن البنت الحديقة في أوج زينتها ،مرشوشة ممراتها المتربة
ذات العيون الشغوفة؛ فإنه يتابع بطرف عينيه