Page 96 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 96
العـدد 24 94
ديسمبر ٢٠٢٠
سيد الزهور في أحواض الحديقة.
تجلس الزوجة على المقعد الخشبي ،وقد ارتدت
فستا ًنا واس ًعا لونه أزرق يتسع لراحة بطنها
المنتفخة بالحمل ،مستظلّة بشجرة التين البنغالي
الضخمة والتي هبطت جذوعها المتع ّرجة لتمتص
غذاءها من التربة .بابتسامة ناقصة تنظر إلى
الشجرة الممتلئة بأعشاش العصافير الحائرة،
وتستدير برأسها ،مشيرة إلى زوجها عامل البوفيه،
فيحييها بكفه مبتس ًما ،ويكمل سيره إلى داخل
حجرة البوفيه الخشبية ،والتى تهتز تحت وقع
دقات “كعب الغزال” التى يشدو بها محمد رشدي
من كاسيت كبير غير مألو ٍف للعين.
ُتخرج الزوجة مرآتها الصغيرة لتصلح بطرف
منديل ورقي طلاء شفتيها الحمراوين ،ورغ ًما عنها
تسأل نفسها في المرآة كالعادة عن صواب ما فعلته
عندما هربت لتتزوج رغ ًما عن أمها ،وسط تع ّجبها
من القدر الذي جمعها بزوجها إثر اتصاله الأول
والذي تكرر بعد أن تع ّرى عطشه للحب وعطش
صوتها الناعم للزواج .وقبل أن يأخذها الشرود،
تد ّس المرآة في حقيبتها بسرعة ،حتى لا يلمحها
زوجها الخارج ت ًّوا من كشكه الخشبي فيغضب.
يلبى طلبات زبائنه ،ويقترب منها مبتس ًما يقول:
-انهضى واتصلى بأمك ،وبإذن الله ستر ّد.
يتركها مسر ًعا إلى حجرته التى دخلها قبله
البستاني ليرتدي ملابسه بعد أن حصل على
إجازة في الغ ّد ليكشف في الوحدة الصحية عن س ّر
ارتعاشة يده كلما أمسكت بمق ّص تقليم الزهور.
تنهض الزوجة متثاقلة إلى حجرة إدراة الحديقة،
تستئذن الموظف قبل التقاط س ّماعة الهاتف ،تطلب
الرقم ثلاث مرات متوالية ،وعندما تيأس من سماع
رد؛ تعود ببطء إلى مكان وقوف زوجها أمام باب
الكشك الخشبي وتخبره:
-لا ترد.
-غ ًدا ترجع المياه لمجاريها..
مع كل رشفة من كوب شايه ،يسحب نف ًسا عمي ًقا
من سيجارته ،ثم ينهض إلى الحجرة.
زهرة بونسيانا حمراء تسقط وتطير في الهواء
حتى تستقر على الأرض ،ولحظة تنهض لالتقاطها
يباغتها الألم .تصيح على زوجها ،فيركض قاص ًدا