Page 130 - Nn
P. 130

‫العـدد ‪35‬‬   ‫‪128‬‬

                                                     ‫نوفمبر ‪٢٠٢1‬‬

    ‫الخراب النفسي على صحتها العقلية‪ ،‬الاستنفار‬       ‫جيروم برونر‬  ‫أوليفر ساكس‬
    ‫البرجوازي من أسرة عنايات يكشف عن وصم‬
 ‫العار المصاحب للأمراض النفسية‪ ،‬وصدى الخزي‬            ‫الشواطيء مطوقة بالغموض‪ ،‬من يكشف شواطئه‬
     ‫الذي يلحق بكل ٍ من المريض وعائلته‪ ،‬وبالتالي‬                                      ‫لا يعود قط»(‪.)6‬‬
 ‫نفهم التحفظ على الكثير من أسئلة مرسال من قبل‬
‫أفراد أسرتها‪ ،‬ونفهم غرض تدمير مذكرات عنايات‬             ‫يمكن لهذه المقتطفات أن تعكس دلالة على حالتها‬
                                                        ‫الاكتئابية وعمق يأسها‪ ،‬واعتبارها دلي ًل تمهيد ًّيا‬
                       ‫والتخلص منها بعد موتها‪.‬‬        ‫على انتحارها‪ ،‬بالتأكيد على أن جرعة المنوم الزائدة‬
      ‫يمكن إرجاع تجاربها المبكرة مع الاكتئاب إلى‬
     ‫سنوات دراستها‪ ،‬عندما عولجت في مستشفى‬                   ‫كانت مقصودة‪ ،‬تكشف لنا مرسال عن أزمة‬
‫(بهمن)‪ ،‬أول مستشفى خاص في مصر عام ‪،1948‬‬                  ‫وجودية صاحبت عنايات طوال رحلتها‪ ،‬تقول‪:‬‬
   ‫ومرة أخرى في ‪ 1962‬قبل شهرين من انتحارها‬            ‫«أنا الجامدة‪ ..‬أنا التائهة‪ ..‬وجودي كعدمي‪ ،‬البيوت‬
     ‫في اشتباك مع القدر‪ ،‬تقول مرسال‪« :‬مر ببالي‬          ‫أمامي مسدلة الستائر‪ ،‬والنور مضاء‪ ،‬في داخلها‬
    ‫أن الألمان كانوا الأكثر حضو ًرا في حياة عنايات‬       ‫ناس يحسون الدفء والأمان‪ ،‬وأنا بلا بيت‪ ،‬بلا‬
   ‫وموتها» (في أثر عنايات الزيات ص‪ ،)151‬والذي‬        ‫سقف وجدارن» (مقطع من يوميات عنايات نشر في‬
‫توثقه مرسال وتتبع تاريخ الطب النفسي في مصر‪.‬‬          ‫‪ ،)1967‬من هذا المقطع تتحول السيرة الذاتية بشكل‬
      ‫بعد سنوات طويلة تستخدم الأخت الصغرى‬                 ‫ملحوظ‪ ،‬حيث تتعمق مرسال في معاناة الزيات‬
 ‫لعنايات (عظيمة) لأول مرة كلمة «انتحار»‪ ،‬يحدث‬           ‫مع صحتها النفسية وأزمة وجودها‪ ،‬واستنزاف‬
  ‫بعده التغيير في طريقة السرد للكتاب‪ ،‬تقول‪« :‬كنا‬
‫صغيرين في السن ده‪ ،‬مانعرفش يعني إيه اكتئاب»‬                                             ‫الاكتئاب لها‪.‬‬
    ‫(في أثر عنايات الزيات ص‪ ،)77‬حيث تعتقد أن‬          ‫وهو ما ينقلنا بالتبعية إلى الوصاية البرجوازية من‬
      ‫السبب اضطراب شخصي أكثر منه انتكاسة‪.‬‬
                                                         ‫عائلتها‪ ،‬وتعامل الأسرة التي تنحدر من أصول‬
             ‫ثمن الحرية‬                               ‫بارزة مع قضية انتحارها‪ ،‬وأزماتها النفسية خلال‬

 ‫بالعودة إلى منزل العائلة‪ ،‬أقامت عنايات في الطابق‬         ‫إجراءات طلاقها ومعارك الحضانة‪ ،‬فهي التي‬
   ‫العلوي مكانها الخاص لتغلق على نفسها وتكتب‪،‬‬          ‫اختبرت تجربة زواج غير موفق ناضلت من أجل‬
    ‫عرفت حينها أن المساحة الأولى للمرأة كانت في‬
                                                         ‫ابنها الوحيد‪ ،‬أتاح لها طلاقتها في اللغة الألمانية‬
‫عقلها‪ ،‬في «غرفة خاصة بها»‪ ،‬غالبًا ما تترك نجلاء‪،‬‬           ‫الحصول على وظيفة تتطلب مثل هذه الكفاءة‬
     ‫بطلة روايتها الوحيدة‪ ،‬تتحدث عن نفسها‪ ،‬عن‬
                                                        ‫اللغوية‪ ،‬حياتها ليست فريدة من نوعها‪ ،‬كل ذلك‬
   ‫الأمومة‪ ،‬في مشاعرعدة‪ ،‬الذنب والرعب والأنانية‬            ‫تسبب في أزمتها الوجودية وأحدث الكثير من‬
  ‫والمعضلات الوجودية‪ ،‬المقاطع التي يتردد صداها‬
 ‫بقوة مع إيمان مرسال بصيغة الغائب‪« :‬كيف ظلت‬
‫المرأة عمر البشرية بعض متاع الرجل وتاب ًعا له مع‬
‫أنها مانحة الحياة وأم البشر جمي ًعا؟ كيف لم تشفع‬
 ‫لها الآلام السحيقة التي تجتاح جسدها ‪-‬وهي على‬
   ‫وشك إهداء الإنسانية طف ًل جدي ًدا‪ -‬في أن يكون‬
  ‫الرجل عطو ًفا بها حنو ًنا؟” (في أثر عنايات الزيات‬

                                       ‫ص‪.)67‬‬
‫تكشف لنا إيمان مرسال أن عنايات لديها وعيًا قو ًّيا‬
   125   126   127   128   129   130   131   132   133   134   135