Page 133 - Nn
P. 133

‫‪131‬‬        ‫نون النسوة‬

                                                                ‫أهمها الإنسان‪.‬‬

                                                                ‫ولعل أولى تجليات هذا‬

                                                                ‫الهدم‪ ،‬أنه كتاب خارج‬

                                                                ‫عن التصنيف‪ ،‬يقطع‬

                                                                ‫مع نظرية الأجناس‬

                                                                ‫الأدبية‪ ،‬وهو ليس «بلا‬

                                                                ‫ضفاف» فقط؛ بل هو‬

                                                                ‫نص مفتوح متمرد على‬

                                                                ‫كل الأنساق الكتابية‬

                                                                ‫المألوفة‪ ،‬فلئن سعي‬

                                                                ‫بعض الدارسين إلى‬

                                                                ‫تصنيفه في أدب السير‪،‬‬

                                                                ‫لكنه أعمق وأشمل‬

‫جليلة رضا‬  ‫أليفة رفعت‬                              ‫إيمان مرسال‬  ‫من كونه مجرد سيرة‬
                                                                 ‫ذاتية لكاتبة مصرية‬

 ‫هويتها‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة لعنايات الزيات‬       ‫عانت من الإهمال‪ ،‬قد توهم افتتاحية الكتاب أنه‬
               ‫وعدم تثبيتها في شجرة العائلة‪.‬‬
                                                   ‫رواية‪ ،‬وهو بالفعل رواية الرواية فيما يمكن‬
  ‫أحداث متعددة ومتشابكة أدت إلى تمازج بين‬
   ‫الأنواع الأدبية‪ ،‬لكنها في الأخير خرجت ن ًّصا‬    ‫تسميته إجرائيًّا ميتا‪ -‬رواية‪ ،‬لكنه ليس ميتا‬
 ‫استطاعت الكاتبة أن تطرزه بإتقان‪ ،‬وصلت به‬
‫إلى الهدف من ورائه‪ ،‬ألا وهو تحرير الكتابة من‬       ‫رواية‪ ،‬فهو مزيج من اليوميات والتداعيات‬
‫سلطة الأجناس الأدبية من خلال تدميرها‪ ،‬وهذا‬
   ‫الفعل التدميري لم يأت مجا ًنا واعتباطيًّا لأنه‬  ‫والاستقصاء الصحفي والتوثيق التاريخي‬
  ‫مقدمة لنوع آخر من تهشيم الأصنام‪ ،‬بإعادة‬
‫النظر في التاريخ الأدبي القريب ورجالاته الذين‬      ‫وأدب الرحلات والتحقيق البوليسي والتدوين‬

     ‫تعتبرهم «كهان أدب»‪ .‬تقول في الفصل ‪21‬‬          ‫الانتروبولوجي والنقد الفني وأدب الرحلات‬
   ‫«يبدو منصور (والمقصود به أنيس منصور)‬
   ‫والسباعي (يوسف السباعي) في هذا السرد‬            ‫والتحليل النفسي‪ ،‬إنه ُج َّماع كل هذه الأنواع‬
‫اثنين من كهان الأدب والثقافة والنشر»‪ ..‬هؤلاء‬       ‫الأدبية‪ ،‬وهو ما يؤكد شدة عزم الكاتبة على‬
‫الذين صنفهم إدوارد سعيد ضمن خانة المثقفين‬
 ‫الخونة أحفاد غوبلز! وهي لا تكتفي بهذا فقط‪،‬‬        ‫عدم التقيد بأي جنس أدبي‪ ،‬بل وتدمير هذه‬
  ‫بل إنها تتمرد على السياسة الثقافية المتبعة في‬
‫مصر وتقول في الفصل الثالث‪ُ « :‬ش ِغفت بأسماء‬        ‫الأجناس من أجل كتابة ذات أفق أوسع تعبر عن‬

                                                   ‫الهواجس الحقيقية للإنسان في هذا الوجود‪ ،‬وقد‬

                                                   ‫وصل التدمير إلي درجة أن الوقائع والأحداث‬

                                                   ‫لم تأت في تسلسل واحد‪ ،‬بل جاءت بشكل‬

                                                   ‫عشوائي‪ ،‬حتى أن الأصوات تختلط أحيا ًنا‪،‬‬

                                                   ‫ضاربة عرض الحائط ببوليفينية باختين‪ ،‬فلا‬

                                                   ‫تكاد الضمائر في الحوارات تبين مسقطة بشكل‬

                                                   ‫غير مرتب‪ ،‬إلى درجة تتداخل الأحداث فيما بينها‬

                                                   ‫وتتشابك الشخصيات بما يؤدي إلى التباس في‬
   128   129   130   131   132   133   134   135   136   137   138