Page 102 - m
P. 102

‫العـدد ‪55‬‬                           ‫‪100‬‬

                                                               ‫يوليو ‪٢٠٢3‬‬

‫الغربي عمران‬

‫(اليمن)‬

‫الساعة السليمانية‬

‫ُمبلل‪ ..‬مبخرة بجمرها‪« ،‬متفل» معدني أسفل الطاولة‪..‬‬          ‫جلس «شنهاص» عار ًيا إلا من نافذة يراقب منها‬
  ‫نارجيلة قصيرة يمتد خرطومها حتى فمه‪ ..‬يومض‬                ‫حركة زقاق بين الدور‪ ..‬يرقب عله يرى صديقته‬
    ‫رأسها بين وقت وآخر‪ .‬إلى الشمال متكأ صديقته‬             ‫«تقية» قادمة‪ ،‬متمت ًما‪ :‬ستظهر الآن وإلا لن تظهر‬
   ‫«تقية» فار ًغا‪ ..‬إلى يمين الباب شماعة ُشنقت عليها‬
    ‫ملابسه‪ ..‬وأعمدة كتب متجاورة تستند إلى إحدى‬                                                 ‫بعدها!‬
                                        ‫الزوايا‪.‬‬          ‫رفع ناظريه متأم ًل أفق الجبال البعيدة‪ ..‬المخضب‬
 ‫بعد وقت عاود صوت صديقه مؤذ ًنا صلاة ال ِعشاء‪..‬‬          ‫بشفق كهرماني شفيف‪ ،‬الذي انعكس على واجهات‬
                     ‫تمتم‪ :‬سأقضي ليلتي وحي ًدا!‬       ‫دور صنعاء العتيقة‪ ،‬أسراب الحمام تلوب قبل هبوطها‬
  ‫تع َّود أن يعيش ظلمة لياليه بمتعة‪ ..‬يحفظ محتويات‬    ‫على أفاريز النوافذ حيث أعشاشها‪ ..‬بهاء قباب المساجد‬
   ‫سكنه عن ظهر قلب‪ ..‬فحين يخرج من غرفة مقيله‬               ‫ومناراتها السامقة‪ ..‬قرص الشمس يغوص بعي ًدا‬
        ‫يسير حتى موقد نحاسي كبير وسط حجرة‬                  ‫لتبهت الألوان تدريجيًّا‪ ..‬تغشي زخارف المنارات‬
   ‫مستطيلة‪ ..‬يقلب الجمر لينعكس شذاها على ملامح‬          ‫الياجورية وواجهات الدور غلالة داكنة‪ .‬يتابع قوافل‬
      ‫وجهه الكبير‪ ..‬يلتقط عدة جمرات ويعود لمتكئه‬      ‫الريح تأوي أزقة المدينة العتيقة‪ .‬لحظتها ارتفع صوت‬
               ‫مواص ًل ليلته وسط ظلمة يأنس لها‪.‬‬            ‫مؤذن الحي‪ ..‬إنه صوت صديقه «طنهاس» الذي‬
    ‫لا يستقبل أح ًدا في سكنه من النساء عدى «تقية»‪.‬‬        ‫يميز سعادته أو حزنه من نبرته‪ .‬بعد ذلك قدر أن‬
   ‫فمنذ تعرف عليها عبر النت قاطع النساء‪ ،‬وهو من‬        ‫صديقته «تقية» لن تأتي بعد هذا الوقت‪ ..‬عاد يمضغ‬
   ‫كان يفضل الأربعينيات‪ ..‬إذ تتسلل خلسة بين ليلة‬       ‫وريقات «القات»‪ .‬منشغ ًل بمراقبة تدفق ذرات المساء‬
                                                          ‫الهابطة من شفاه الجبال‪ ..‬لتتماهى ملامح المباني‬
‫وأخرى إلى سكنه في الدور الرابع لتشاركه عريه لعدة‬         ‫المحيطة روي ًدا روي ًدا‪ ..‬وتتحول إلى أشباح غامضة‪.‬‬
 ‫ليال ثم تغادر لشؤونها‪ .‬الليلة يحاول التماهي بظلمة‬     ‫إلا من ثقوب خجولة للضوء هنا وهناك من نوافذها‪.‬‬
                                                      ‫تباغته لفحة برد عبر النافذة‪ .‬يغلق ظلفتيها‪ .‬يتمتم‪ :‬لقد‬
   ‫سكنه‪ ..‬متلذ ًذا باستحلاب أوراق قاته‪ ..‬وليزيد من‬      ‫فات موعدها ولن تأتي بعد الآن! ثم يعود يلوك قاته‬
‫لذته يحتضن جهاز «اللاب توب»‪ .‬تبحث أصابعه على‬
 ‫زر التشغيل‪ ..‬لينعكس ضوؤه على عينيه الجاحظتين‬               ‫محاو ًل الحفاظ على مزاجه وحي ًدا وسط ظلمته‪.‬‬
                                                       ‫ُيجيل شنهاص ناظريه في عتمة ما حوله‪ ..‬هو يعرف‬
    ‫ووجنتيه المتكورتين‪ ..‬يبتسم لظهور صفحته على‬
   ‫الفيس «ابن الحاج»‪ .‬وقد ظهرت صورة قط بعينين‬              ‫مواقع أشيائه‪ :‬طاولة قصيرة أمامه عليها جهازه‬
    ‫مغمضتين‪ ..‬يعرج بعدها على صفحة تقية‪ ..‬تظهر‬            ‫المحمول‪ ..‬إلى جواره باقة أغصان قات ُلفت بمنديل‬
   97   98   99   100   101   102   103   104   105   106   107