Page 103 - m
P. 103

‫‪101‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

     ‫القصة في اليمن‬

  ‫خوف‪ ،‬التقط ملابسه ليلبسها‪ ،‬خرج باتجاه الحجرة‬             ‫قبة خضراء‪ ..‬وجملة ُكتبت بخط كوفي «حسبي الله‬
      ‫الخارجية‪ ،‬لم تعد الأشياء في أماكنها‪ ،‬باحثًا عن‬    ‫ونعم الوكيل»‪ .‬يدعك تكويرة خده بتلذذ‪ ..‬يكتب معاتبًا‬

 ‫موطئ قدم لخطواته‪ ..‬حاذى الموقد الذي تبعثر جمره‬           ‫رسالة إليها‪« :‬يا عيباه‪ ..‬انتظرتك على الموعد‪ ..‬ليست‬
     ‫أر ًضا‪ ..‬وصل باب سكنه‪ ..‬رأى سلم الدار مكت ًّظا‬         ‫عادتك أن تخلفي‪ .‬أتمنى أن يكون المانع خي ًرا»‪ .‬ثم‬
                                                            ‫ضغط إرسال‪ ..‬متمنيًا تواجدها ليقضي ليلته تلك‬
  ‫بأشباح سكان الدار‪ ..‬وبكاء أطفال وعويل متداخل‪..‬‬           ‫في دردشة إيروسية معها‪ ..‬ظل منتظ ًرا‪ .‬ثم أضاف‬
   ‫وقف مترد ًدا أمام وجوه نسوة بعيون فزعة‪ ..‬شق‬
     ‫طريقه صاع ًدا نحو السطح وسط من يصعدون‪..‬‬              ‫«انتظر ردك فلا تتأخري»‪ .‬شغل نفسه باستعراضه‬
  ‫تجاوز سلالم الدور الخامس ليصل إلى سطح مكتظ‬               ‫لتصفح رسائل أخرى‪ ..‬عادة ما تستهويه الإناث‪..‬‬
‫بالنواح‪ ..‬هي المرة الأولى التي يرى «طيرمانة» صاحبه‬
‫المؤذن وقد تربعت على أعمدة سوداء‪ ..‬تطل على المدينة‬       ‫أو كما يصفهن بـ»قطط الفيس»‪ .‬وإن أربكته الأسماء‬
‫العتيقة‪ .‬وقف عند أطراف زحام منشغ ًل بمتابعة تفجر‬            ‫المستعارة‪ .‬يقسمهن إلى مجموعتين‪ :‬قطط وديعة‪..‬‬
    ‫لهب في الأحياء الغربية لصنعاء‪ ..‬يرى انعكاسات‬            ‫وقطط مخربشة‪ .‬وحسب تجربته فإن من يتخفين‬
    ‫لهيبها على جروف الجبال المحيطة بالمدينة‪ ..‬وعلى‬
                                                          ‫خلف واجهات قرآنية هن أكثر جرأة‪ .‬لكن ما يخيفه‬
                  ‫واجهات الدور والمنارات الطويلة‪.‬‬        ‫تخفي بعض الذكور خلف رموز وأسماء أنثوية‪ ..‬فما‬
  ‫رعب سماع نعيق طائرات مقاتلة‪ ..‬أعقبها انفجارات‬         ‫إن يكتشف أحدهم حتى يسارع إلى حظره‪ .‬هذه الليلة‬
‫متتالية في أنحاء متفرقة من المدينة‪ ،‬ما لبث أن لاحقتها‬   ‫لفتت انتباهه رسالة جديدة‪ ..‬يطلق مرسلها على نفسه‬
‫خيوط نارية لرصاص من قمم الجبال المحيطة‪ ..‬ترتفع‬           ‫«‪ .»adel‬خمن أن يكون أحد الذكور‪ .‬حك أنفه محاو ًل‬
  ‫ملتهبة لتعود ماطرة أسطح وشوارع المدينة‪ ..‬يختلط‬
  ‫دوي متجدد ترتج له أنحاء صنعاء‪ ..‬تتوهج السماء‬              ‫تذكر إن كان قد مرت عليه تلك الحروف «‪.»adel‬‬
                                                         ‫وحين لم يتذكر فتح الرسالة‪« :‬أخي ًرا وجدتك‪ ..‬شك ًرا‬
                                  ‫كمظلة ملتهبة‪.‬‬
   ‫يرتفع صوت صديقه من مكبر المسجد «الله أكبر‪..‬‬                                 ‫لمستر مارك‪ ..‬أنتظر ردك!»‪.‬‬
  ‫الموت لأميركا‪ ..‬الموت لإسرائيل‪ ..‬اللعنة على اليهود‪..‬‬        ‫سكن فكه الضخم عن هرس القات! أعاد قراءة‬
                                                         ‫الكلمات القليلة‪ ..‬يلوك تلك الأحرف ‪ a. d. e. l‬ببطء‪..‬‬
              ‫الخزي لآل سعود‪ ..‬النصر للإسلام»‪.‬‬             ‫ليس لديه معرفة بأي لغة غير العربية‪ ..‬يفكر عمن‬
 ‫تردد أشباح من في أسطح الدور المختلفة «الله أكبر‪..‬‬        ‫يكون وراء تلك الرسالة‪ ..‬انتقل إلى صفحة المرسل‪..‬‬
                                                         ‫الصورة العامة أفق بحري مفتوح على سحابة قطنية‬
         ‫الموت‪ »..‬ملوحون بقبضاتهم باتجاه السماء‪.‬‬             ‫وحيدة! الصورة الشخصية غراب يحلق وحي ًدا‪..‬‬
 ‫يتأمل شنهاص ما يدور وسط عتمة الليل‪ ،‬ثم يعاود‬           ‫بحث عن معلوماته الشخصية عله يجد خي ًطا لصاحب‬
 ‫الهبوط لقضاء بقية ليلته وسط ظلمته‪ ..‬خلع ملابسه‪،‬‬           ‫أو صاحبة الصفحة‪ ..‬لكنه لم يجد‪ ..‬لا منشورات‪..‬‬
  ‫جلس عار ًيا خلف نافذته المشرعة على عويل يتداخل‬           ‫ولا أصدقاء‪ ..‬فقط صو ًرا مكررة لشواطئ بحرية‪..‬‬
                                                        ‫وقوارب صيد‪ ..‬سواحل رملية طويلة‪ ..‬خمن أن يكون‬
   ‫مع هزيم الانفجارات المتعاقبة هنا وهناك‪ ..‬فكر أن‬         ‫المرسل صيا ًدا‪ ..‬بحث في بياناته المخبأة‪ ..‬لا شيء!‬
  ‫يعود إلى جهازه عله يجد تقية أو رد على عتابه‪ .‬لكنه‬        ‫تضاعفت حيرته‪ ..‬متسائ ًل‪ :‬هل هي رسالة قطة أم‬

            ‫يصاب بخيبة أمل ويزداد سخطه عليها‪.‬‬                                                     ‫قط؟!‬
       ‫انكفاؤه على نفسه في الدور الرابع جعله يشعر‬         ‫قطع بحثه دوي ورجفة عنيفة هزت ظلمة ما حوله!‬
   ‫بالأمان‪ ،‬من خوف يسكنه من كل الناس‪ ..‬معو ًضا‬             ‫ُخيل له أن جدران الدار تتساقط‪ ..‬نهض بعريه بعد‬
    ‫بقضاء أوقاته متماهيًا بظلمة وسكينة يستلذ بها‪..‬‬         ‫أن قذف ما بين يديه‪ ..‬وقف مذعو ًرا يسمع تعاقب‬
   ‫متحر ًكا كخفاش دون إشعال أي سراج‪ .‬مبح ًرا في‬           ‫دوي يصم مسامعه‪ ..‬سمع صراخ الدور المجاورة‪..‬‬
     ‫مواقع النت لحياة يفتقدها‪ ..‬متنق ًل بين صفحات‬
      ‫التواصل الاجتماعي‪ ..‬باحثًا عن القطط‪ .‬مفض ًل‬           ‫فتح نافذته‪ ..‬ليرى ومي ًضا مبه ًرا يصبغ واجهات‬
    ‫الصنعانيات منهن‪ ..‬حيث يستطيع الوصول إليهن‬           ‫الدور بألوان نارية‪ ..‬وهدير الأزقة المحيطة يتعالى‪ .‬ظن‬
     ‫دون عناء‪ ..‬بعد أن أمسى يتقن اصطياد المناسب‬
                                                         ‫صنعاء ُتدك بنيازك فضائية‪ .‬نهض بين ظلمته يدفعه‬
   98   99   100   101   102   103   104   105   106   107   108