Page 108 - m
P. 108

‫العـدد ‪55‬‬   ‫‪106‬‬

                                                     ‫يوليو ‪٢٠٢3‬‬

   ‫إيقاع‪ ..‬ظل كل منهما يتحرك وفق حالته النفسية‪..‬‬                     ‫كان يحدثها عنه‪ ..‬وعن ظلمة لياليه‪.‬‬
     ‫خطوة إلى الأمام‪ ..‬وخطوة إلى الخلف‪ ..‬لم ينتظم‬    ‫بعد حين لاحظت صوته يقترب‪ ..‬لتميز شبحه العاري‬
                                                      ‫قاد ًما ليقف بهيئة غول أمام موقد كبير‪ ..‬ينفخ كومة‬
   ‫دورانهما‪ ..‬ارتد بحركات بندولية متتالية ليصطدم‬      ‫فحم‪ ..‬لتتوهج جميرات تنعكس على تفاصيل جسده‪..‬‬
  ‫بها‪ ..‬استكانت حين ضمها إلى صدره‪ ..‬كانت تنتظر‬        ‫يلتقط جمرات على مبخرة بين يديه‪ ،‬سري ًعا ما أنتشر‬

                                      ‫منه ذلك‪..‬‬           ‫عبق رائحة البخور‪ ،‬تأملته‪ :‬أرداف متهدلة‪ ..‬ظهر‬
                                   ‫قال منده ًشا‪:‬‬     ‫مسطح باهت‪ ..‬ذراعان يهتزان جانبًا‪ ..‬ساقان يماثلان‬
                            ‫‪ -‬أن ِت راقصة بارعة‪.‬‬
                               ‫انفجرت ضاحكة‪:‬‬            ‫مقلا ًعا ضخ ًما مقلو ًبا‪ ..‬لمحت شيأه‪ ..‬هالها حجمه‪،‬‬
                          ‫‪ -‬بل هو شذى البخور!‬            ‫شبحه العائد من حيث أتى‪ ،‬لحظتها تهادى صوت‬
                                  ‫‪ -‬وماذا أي ًضا؟‬    ‫المؤذن‪ ،‬قدرت أن يكون لصلاة العشاء‪ ..‬لم تعد تسمع‬
                     ‫‪ -‬لكن من حبب إليك الرقص؟‬             ‫لشنهاص أي صوت عدى قرقرة نارجيلة‪ ..‬تفكر‬
       ‫‪ -‬امرأة في الخامسة والأربعين‪ ،‬كانت مجنونة‬     ‫بأساليب لإثارته لتصل بنشوتها إلى عتبات الفردوس‪.‬‬
                                                        ‫متذك ًرا حديثه لها عبر الماسنجر عن قواعد لقاءاته‪.‬‬
                                       ‫بالرقص‪.‬‬       ‫وضعت سلتها جانبًا‪ ..‬ثم أغلقت الباب بهدوء‪ ..‬تقدمت‬
       ‫‪ -‬في الخامسة والأربعين‪ ،‬هاه‪ ..‬حاكني عنها‪.‬‬          ‫وسط العتمة بهدوء‪ ،‬فوجئ بشبحها يقف أمامه‪،‬‬
‫‪ -‬في أول لقيانا هامستني‪« :‬إذا أردت أن تشعر بمتعة‬       ‫تسقط ستارتها‪ ..‬ثم خمارها‪ ..‬غطاء رأسها‪ ..‬لتتسع‬
    ‫اللقاء فلنبدأه برقصة»‪ .‬سألتها‪ :‬أبدون موسيقى؟!‬         ‫عيناه الصغيرتين دهشة وهو يتابع شبحها وقد‬
 ‫ردت ضاحكة «على إيقاع قلب من تراقص‪ ..‬وإن لم‪..‬‬           ‫تحرر من آخر قطعة‪ ..‬ركعت‪ ،‬مالت برأسها‪ ،‬انثال‬
 ‫فعلى إيقاع قلبك»‪ .‬لم يكن لي معرفة بالرقص ليلتها‪..‬‬     ‫شعرها غزي ًرا‪ ..‬أندلق ثدياها‪ ..‬قبلته‪ ،‬تهامسه بغنج‪،‬‬
‫أخذت تدور بي بداية الأمر وأنا أحاول تقليدها‪ ..‬وليلة‬    ‫ثم استقامت وبإحدى قدميها لكزته أن ينهض‪ ،‬ما َّد ًة‬
    ‫بعد أخرى تزايدت نشوتي حتى أصبح جز ًءا من‬             ‫كفيها لتحتضنه‪ .‬شك أن تكون هي تلك الصغيرة‪.‬‬
                                                      ‫مالت بوجهها نحوه وكأنها عرفت ما يدور بخاطره‪،‬‬
                                        ‫متعتي‪.‬‬
                               ‫‪ -‬وحياتك عار ًيا؟‬                                             ‫هامسة‪:‬‬
                                                                   ‫‪ -‬هيا راقصني‪ ،‬أليست هذه قواعدك؟‬
                                    ‫‪ -‬هي أي ًضا‪.‬‬         ‫ذابت الكلمات بين شفتيه‪ ..‬ط َّوقها‪ ،‬يتلمس قوامها‬
                                   ‫‪ -‬كيف ذلك؟‬           ‫الناحل‪ ..‬ما لبثت أن مدت أصابعها تداعب أشيائه‪..‬‬
 ‫ظ َّل يرقصان وهو يحكي ويحكي‪ .‬بعد وقت سمعها‪:‬‬         ‫تضحك عاليًا‪ ..‬مد كفه كات ًما صوت قهقهتها‪ ..‬التصقت‬
           ‫‪ -‬يعجبني أسمعك وأنت تخرمش لذتي‪..‬‬                 ‫بعريه الفارع‪ ،‬لفحت أنفاسها صدره‪ ..‬سألها‪:‬‬
‫لم يدعها تكمل‪ ،‬سار يحملها على خاصرته‪ ..‬حتى متكأ‬
                                    ‫قاته‪ ،‬سألته‪:‬‬                                     ‫‪ -‬لكن ِك لا زلت‪..‬‬
                                    ‫‪ -‬أين نحن؟‬                                               ‫قاطعته‪:‬‬
                 ‫‪ -‬في المقيل لنمضغ وريقات القات‪.‬‬
              ‫تلح عليه أن يحكي‪ ..‬يبحث عما يقوله‪:‬‬                          ‫‪ -‬وماذا عنك هل أنت عجوز؟!‬
 ‫أعادته أصوات الانفجارات من ذكريات تقية ولياليها‬                                              ‫‪ -‬أنا؟‬
‫معه‪ ،‬حين كانت تنسل قادمة مع مغيب الشمس لتحيل‬
  ‫ظلمته إلى بهاء ورقص وحكايات ممزوجة بأغصان‬                           ‫‪ -‬سنرى‪ ،‬من الصغيرة ومن الـ‪..‬‬
        ‫القات‪ ،‬وتضوع جمر البخور والرقص عرايا‪.‬‬                                              ‫‪ -‬سنرى‪.‬‬
   ‫ولليا ٍل لاحقه ينتظر قدومها‪ ،‬يكتب إليها من ظلمته‬
‫دون أي رد‪ .‬لتمر الليالي تلو الليالي ينتظر علها ترسل‬       ‫ها أنا بين يديك‪ ..‬فهل تب َّقى طقس آخر أقوم به؟‬
   ‫إليه في ظلمته‪ ،‬أن يسمع همسها‪ ،‬لكنه لا يسمع إلا‬                                   ‫‪ -‬أن نبدأ الرقص‪.‬‬
                       ‫مزي ًدا من دوي الانفجارات‪.‬‬
                                                            ‫قالها مرتع ًشا‪ ..‬أضاف‪ :‬هل تعرفين ترقصين؟‬
                                                                                  ‫‪ -‬سأترك نفسي لك‪.‬‬

                                                       ‫لم تكن من حركة محددة‪ ..‬ولا يوجد ما يلزمهم من‬
   103   104   105   106   107   108   109   110   111   112   113