Page 107 - m
P. 107

‫‪105‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

     ‫القصة في اليمن‬

‫ورطة أن َت فيها‪ ..‬وأي شهامة تدعيها مع فتاة صغيرة؟‬       ‫صناديق متهالكة كانت بائعات الخبز يجلسن عليها‪.‬‬
   ‫ظل يسير دون هدى‪ ..‬بينما كانت تج ُّد خلفه وسط‬             ‫رأى تقية تحمل سلتها وقد سارت في الأطراف‬
     ‫روائح التوابل والعطارة وأصوات الباعة‪ ..‬قاربت‬          ‫البعيدة‪ ..‬سارع الخطو‪ ،‬اقترب‪ ..‬تسير بخطوات‬

  ‫الشمس على المغيب‪ ..‬حينها أحس بغرائبية ما يدور‪..‬‬         ‫متعثرة‪ ..‬حاذاها وعيون من تبقوا تتجه نحوهما‪،‬‬
     ‫تمتم‪ :‬لن أدع هذه الفتاة تلهو بي‪ .‬وقف وسحبها‬       ‫فاجأته وقد أمسكت بمعصمه هامسة بصوت جريح‪:‬‬
             ‫جانبًا‪ ..‬ينظر في عينيها صامتًا‪ ..‬سألته‪:‬‬
                       ‫‪ -‬لما تخشاني‪ ،‬ألست رج ًل!‬                            ‫أرجوك خذني بعي ًدا عن هنا‪.‬‬
                                 ‫‪ -‬أنت صغيرة‪..‬‬         ‫خرج معها من أطراف السوق‪ ،‬تمنى سماعها تحدثه‪،‬‬
      ‫قاطعته ممسكة بكفه‪ ..‬ليتسرب دفء أصابعها‪.‬‬           ‫لكنها ظلت في صمت طوال الطريق‪ ،‬سارا نحو «باب‬
       ‫‪ -‬هل أنت جاد‪ ،‬من في مثل سنك يلهثون وراء‬         ‫البلقة»‪ ..‬هبو ًطا نحو شارع القصر حتى حاذيا سور‬
                                    ‫الصغيرات؟!‬          ‫السفارة الصينية‪ ..‬نظرت إليه هامسة‪ :‬اذهب بي إلى‬
                    ‫كلماتها لامست شيء في نفسه‪.‬‬
                         ‫‪ -‬وأنت تلهثين خلف من؟‬                                           ‫«باب اليمن»‪.‬‬
                         ‫ابتسمت ناظرة في وجهه‪:‬‬         ‫كالمبلود تلبسه شعور فقد القدرة على تحديد ما يريد‪.‬‬
               ‫‪ -‬حين تصل بي إلى سكنك ستعرف‪.‬‬
                                                           ‫عبرا الشارع الخلفي للبنك المركزي ولا تزال في‬
 ‫لحظتها قرر أن يكسر القاعدة‪ ..‬اخترق أزقة يعرفها‪..‬‬        ‫صمتها رغم أسئلته‪ ،‬ومنه محاذ ًيا «بستان شارب»‬
  ‫حتى كانا في الحي الذي يسكنه‪ ..‬مع مغيب الشمس‪،‬‬         ‫ثم أزقة «بحر رجرج» ليخرجا إلى باب اليمن‪ ..‬حينها‬

   ‫اقترب بها من الصرحة الواسعة التي تتوسط دور‬                                               ‫وقفت به‪:‬‬
                           ‫الحي حيث يقع سكنه‪:‬‬                ‫‪ -‬انتظرني هنا‪ ،‬هي لحظات وأعود‪ ،‬لا تذهب!‬
                               ‫‪ -‬والآن أبقي هنا‪..‬‬      ‫يرقبها من رصيف بائعي «البردقان»‪ .‬عابرة الشارع‬
                                     ‫‪ -‬أتتركني!‬            ‫حتى رصيف «القشلة» المقابل‪ ،‬وقفت أمام امرأة‬
                                                      ‫تفترش الرصيف بين عدة نساء بسلالهن المليئة ب ُحزم‬
    ‫‪ -‬لا‪ ،‬بل عليك مراقبتي وإذا ما دخلت ذلك الباب‪..‬‬        ‫الريحان والفاكهة‪ ..‬يراها تحدثها‪ ،‬تمسح عينيها‪..‬‬
    ‫‪ -‬عرفت ما عليَّ فعله‪ ..‬هيا أسبقني وستجدني في‬      ‫تعجب متمنيًا فهم ما يدور‪ ..‬زاد عجبه وقد احتضنتها‬
                                                       ‫ماسحة دموعها‪ ..‬أثار منظرهما مزي ًدا من تساؤلاته‪:‬‬
                                          ‫أثرك‪.‬‬            ‫عمن تكون هذه الفتاة‪ ..‬وتلك المرأة‪ .‬زادت رغبته‬
     ‫‪ -‬سكني في الدور الرابع‪ ..‬سأترك بابي موار ًبا‪.‬‬    ‫لمعرفتها‪ .‬وإن ظل في صراع مع نفسه بين أن ينتظرها‬
       ‫مضى مشتت الذهن‪ ..‬محاو ًل التماسك‪ ..‬اجتاز‬          ‫أو يتركها ويذهب إلى حال سبيله‪ ..‬لم يعد يميز ما‬
     ‫الصرحة دون أن يرفع عينيه أو يلتفت‪ ..‬خالطته‬          ‫يريد‪ .‬عادت وقد خالطت خطواتها نشاط ملحوظ‪..‬‬
‫قشعريرة مباغتة عند لحظات دخوله الدار‪ ..‬تمتم‪ :‬لماذا‬     ‫تحدثه بصوت مرح‪ :‬والآن إلى أين تريد أن تأخذني؟‬
       ‫أضع نفسي في موقف قد يكون فيه فضيحتي!‬                  ‫أدهشه تغيرها وجرأتها‪ ،‬تردد‪ ..‬ثم حزم أمره‪:‬‬
‫لم يبتلعه الباب حتى اقتفت خطاه‪ ،‬انسلت داخل سكنه‪،‬‬
     ‫احتوتها عتمة طالما حدثها في مسامرته على النت‪.‬‬                   ‫‪ -‬أستودعك‪ ..‬أنت الآن أحسن حا ًل‪.‬‬
                                                             ‫أمسكت بكفه الكبير‪ ،‬تسأله بمرح غير متوقع‪:‬‬
                                   ‫جاءها صوته‪:‬‬
                                 ‫‪ -‬هل رآك أحد؟‬                                    ‫‪ -‬ألا تريد أن أرافقك؟‬
                                                                                                ‫‪ -‬لا!‬
                                         ‫‪ -‬أب ًدا‪.‬‬
   ‫ظلت واقفه تنتظر‪ ،‬روي ًدا رويدا بدأت تميز الأشكال‬           ‫‪ -‬فلماذا مسامراتك على الفيس لليالي طويلة‪،‬‬
 ‫المحيطة‪ ..‬جدران حجرة مستطيلة خالية إلا من موقد‬                                        ‫وملاحقتك لي؟!‬
                                                                                                ‫‪!.. -‬‬
                     ‫كبير‪ ..‬أفزعها صوته المفاجئ‪:‬‬
            ‫‪ -‬هذا سكني الذي كثي ًرا ما حدثتك عنه!‬       ‫محتا ًرا أمامها‪ ..‬وكانه أمام اختبار لم يستعد له‪ ..‬ثم‬
  ‫تذكرت أنها أكثر من ليلة تمنت أن تزوره لتعيش ما‬          ‫استدار دون أن يتفوه ومضى مبتع ًدا‪ .‬ليفاجأ بها‬

                                                      ‫تتبعه عبر أزقة الأسواق القديمة‪ .‬ظل يعاتب نفسه‪ :‬أي‬
   102   103   104   105   106   107   108   109   110   111   112