Page 106 - m
P. 106

‫العـدد ‪55‬‬   ‫‪104‬‬

                                                        ‫يوليو ‪٢٠٢3‬‬

                            ‫طبقها المليء باللحوح‪.‬‬                                            ‫يعاشرهن‪.‬‬
 ‫يبتسم بوجهه الكبير‪ ..‬حا ًّكا حنكة عل من يبحث عنها‬           ‫يتذكر‪ ..‬بأنها استجوبته قبل أن توافق على اللقاء‬
‫تستدل عليه‪ ..‬تشاكسه إحداهن بصوت يصله ساخ ًرا‪:‬‬
                                                                                           ‫الأول‪ ،‬سألته‪:‬‬
                       ‫هل ضيعت شيئًا يا طويل؟‬                        ‫‪ -‬هل لديك رقم هاتف لأسمع صوتك؟‬
  ‫يداري وجهه خج ًل لشعوره بالخيبة‪ .‬تلفت إحداهن‬
  ‫انتباهه بابتسامتها‪ ،‬عاد باتجاهها مكر ًرا حك حنكه‪..‬‬                                  ‫‪ -‬ليس لدي هاتف‪.‬‬
                                                                                    ‫‪ -‬هل من صورة لك؟‬
                ‫حتى وقف أمامها‪ ..‬لتمد له بخبزها‪:‬‬                                 ‫ليصمت قلي ًل‪ ..‬ثم أجاب‪:‬‬
                            ‫‪ -‬القرص بمئة ريال‪.‬‬
                                                                                          ‫‪ -‬ولا صورة!‬
                     ‫اقترب بوجهه الكبير هام ًسا‪:‬‬                                     ‫‪ -‬أتمنى عنك المزيد‪.‬‬
                                  ‫‪ -‬أنا شنهاص!‬               ‫‪ -‬حدثتك بكل شيء عني‪ ..‬ولا أعرف عنك شيئًا!‬
                                       ‫تغمز له‪:‬‬          ‫‪ -‬إ ًذا حدد موعد لنلتقي وتعرف بعدها عني ما تريد‪.‬‬
                                   ‫‪ -‬وأنا فاطمة!‬            ‫ظل لبعض الوقت يفكر في إيقاف ذلك الحوار‪ ..‬أن‬
                                                           ‫يقطع تواصله بها‪ .‬لكنها بادرته‪ :‬لماذا تتردد‪ ..‬هاه؟‬
 ‫رنت ضحكات جاراتها‪ ..‬عندها أدرك بأنه على مرمى‬                                 ‫‪ -‬نعم معك‪ ..‬فقط كنت أفكر!‬
  ‫من سخريتهن‪ ..‬لكنه قرر أن يمضي إلى آخر نقطة‪..‬‬                        ‫‪ -‬ب َم تفكر‪ ..‬أليس لديك رغبة لنلتقي؟‬
 ‫مستغر ًبا لتلك الرغبة التي تقوده‪ ..‬مقر ًرا أن يمر على‬
  ‫الصف وإن لم يذهب ولا يعود‪ ،‬بخطى وئيدة يتأمل‬                                              ‫‪ -‬بلى‪ ..‬لكن‪..‬‬
                                                                                 ‫‪ -‬جرب لن تخسر شيئًا‪.‬‬
     ‫صف بائعات الخبز وبحذر حتى كاد أن ينتهي‪..‬‬                          ‫توقف مرة أخرى عن الرد‪ ..‬ثم كتب‪:‬‬
    ‫ليلمح وسط الصف فتاة كانت الوحيدة دون طبق‬                           ‫‪ -‬أترك لك أن تحددي أحد الأسواق!‬
‫خبز‪ ،‬تحتضن بين فخذيها سلة حبق و»لزاب» وزهور‬                                    ‫‪ -‬هل يناسبك سوق القاع؟‬
 ‫الزعفران‪ ،‬تساءل‪ :‬ولماذا لا تكون هي بائعة الريحان‪،‬‬
  ‫تقدم نحوها بتوجس‪ ،‬لتلتقي عيناه بعينيها الطالات‬                                   ‫أعجبه اختيارها‪ ..‬ليرد‪:‬‬
   ‫من خلف خمارها الأسود‪ .‬تردد وهو يراها أصغر‬                                            ‫‪ -‬نعم يناسبني‪.‬‬
‫مما توقع‪ ،‬بقد ناحل لفته بستارة ملونة‪ ..‬صدمته تلك‬
‫المفاجآت‪ ..‬لكنه تقدم وركع أمام سلتها مقتع ًدا عراقيبه‬     ‫‪ -‬إ ًذا في ظهيرة الغد‪ ..‬ستجدني وسط صف بائعات‬
  ‫متمنيًا أن تكون هي‪ ..‬لاحظ رعشات كفيها‪ ..‬هروب‬                                                   ‫الخبز‪.‬‬

          ‫عينيها بعي ًدا‪ ..‬التقط باقة صغيرة‪ ..‬سألها‪:‬‬                          ‫‪ -‬وكيف أميزك من بينهن؟!‬
                               ‫‪ -‬بكم «ريحانك»؟‬                             ‫‪ -‬صف لي هيئتك‪ .‬لأهتدي إليك‪.‬‬
                                                            ‫توقف يتساءل‪ :‬لماذا أنا ُمسير لها؟! ليجد الإجابة‬
   ‫تصنعت عدم الاهتمام‪ ..‬صمت ينتظر عودة عينيها‬                   ‫لصدى تساؤلاته‪ :‬ما الضير إن جربت! كتب‪:‬‬
                     ‫إليه‪ ..‬هام ًسا‪ :‬إذن أنت «تقية»‪.‬‬     ‫‪ -‬لي قامة طويلة‪ ..‬أعتمر طاقية سوداء تغطي نصف‬
                                                        ‫جبهتي‪ ..‬ولتميزيني أكثر‪ ..‬سأكرر حك حنكي بأصابع‬
          ‫ردت بصوت مضطرب دون أن تنظر إليه‪:‬‬
     ‫‪ -‬نعم أنا تقية‪ ،‬والآن أذهب‪ ..‬وعد بعد أن أفرغ‪.‬‬                                             ‫اليسرى‪.‬‬
                                                              ‫يتذكر في ظهيرة ذلك اليوم‪ ..‬وقد وصل أطراف‬
               ‫ثم تشاغلت بترتيب محتويات سلتها‪.‬‬                ‫السوق‪ ..‬راضيًا أن يقوم بدور الطريدة‪ .‬اخترق‬
‫نهض بإحساس المنتصر‪ ..‬غادر متسائ ًل‪ :‬هل أعود أم‬              ‫زحام باعة الخضار والفواكه حتى وصل رصيف‬
                                                         ‫بائعات الخبز‪ ..‬أخذ يستعرضهن واحدة بعد أخرى‪..‬‬
                            ‫أتركها لصغر سنها؟!‬            ‫منق ًل ناظريه بين أطباقهن ووجوههن‪ ..‬تلك العيون‬
   ‫جال دون هدى حتى وجد نفسه يعود إلى سوقها‪..‬‬             ‫الطالة من خلف أخمرتهن‪ ..‬ترحب به إحداهن كزبو ِن‬
‫كانت بعض المحلات قد أغلقت أبوابها‪ ..‬وتناقص باعة‬             ‫محتمل‪ ..‬وثانية تلوح بكفها المنقوش بالحناء للفت‬
 ‫ساحة السوق وأرصفته‪ ،‬عدا مخلفات فاكهة وخضار‬               ‫انتباهه‪ ..‬وثالثة تريه أقراص خبزها‪ ..‬ورابعة تحرك‬
‫تغطي أحجاره الرطبة‪ .‬وقلة من المارة‪ ..‬وبعض الباعة‬
 ‫ركنوا إلى زوايا ظليلة يمضغون القات‪ ..‬ولم تتبقى إلا‬
   101   102   103   104   105   106   107   108   109   110   111