Page 56 - m
P. 56

‫العـدد ‪55‬‬   ‫‪54‬‬

                                                     ‫يوليو ‪٢٠٢3‬‬

‫إبراهيم البوعبدلاوي‬

‫(المغرب)‬

‫التأويل بين إيكو وياوس‪..‬‬

‫الموسوعة وأفق التوقع نموذجين‬

‫ملخص الدراسة‪:‬‬
‫تسعى هذه الدراسة لبيان وتوضيح طريقتين متقاربتين بشكل كبير‬
‫في طرق التأويل‪ ،‬تتمثلان في الطريقة السيميائية ممثلة في أمبيرتو‬
‫إيكو‪ ،‬ونظرية التلقي الألمانية ممثلة في هانس روبيرت ياوس‪ .‬إننا‬
‫سنحاول توضيح المفهومين المركزيين في فكر الرجلين؛ ويتعلق الأمر‬
‫هنا بالموسوعة عند الأول‪ ،‬وأفق التوقع عند ياوس‪ .‬كما سنوضح الدور‬
‫الذي غدا يحتله القارئ في النظريتين النقديتين المعروضتين‪ ،‬وشكل‬
‫التأويل الذي تتغياه كل نظرية‪.‬‬

‫فحص إيكو عد ًدا من القواميس التي حاولت حصر‬                     ‫التأويل بالموسوعة‬
  ‫نشاط التفكير الإنساني في الميدان اللغوي؛ فتبين‬
  ‫له أنها ما هي إلا شكل بدائي من أشكال التأويل‪،‬‬           ‫تتمثل إحدى أبرز المهام التي قامت عليها‬

‫وأن المرسل والمرسل إليه لا يتكئان على أي نوع من‬          ‫السيميائيات في إعادة النظر في عدد من الأفكار‬
‫أنواع القواميس بشكل كلي ودائم‪ ،‬وإنما يلجآن إلى‬          ‫والقضايا والمفاهيم التي يعتبرها الحس المشترك‬
                                                        ‫بمثابة مسلمات؛ إنها تعمد إلى إبراز مكامن القوة‬
                                     ‫الموسوعة‪.‬‬        ‫فيها‪ ،‬وكذا إعادة بنائها بنا ًء سلي ًما‪ ،‬وذلك بالرجوع‬
 ‫إن فحص التصور المركزي لإيكو بشأن الموسوعة‬              ‫إلى تاريخها الطويل‪ ،‬أو بفحصها بشكل مغاير لما‬
                                                       ‫كان متداو ًل طوال تاريخ الفكر أو حتى ما يستند‬
   ‫يظهر انحيازه الكبير للتأويل اللانهائي؛ لكن هذا‬
‫التأويل عنده يخضع لأطر وقوانين تحد من غلوائه‬                                      ‫إليه الحس المشترك‪.‬‬
                                                       ‫لعل أهم مفهوم خضع للفحص والتقليب على كافة‬
   ‫وتجعله عقلانيًّا أكثر من كونه اعتباطيًّا‪ ،‬ذلك أن‬     ‫وجوهه هو مفهوم العلامة‪ ،‬وقد أفرد له أمبيرتو‬
 ‫«القول بلانهائية النص‪ ،‬لا يعني أن كل تأويل هو‬       ‫إيكو مواضع مهمة‪ ،‬وعالجه في مختلف كتبه‪ .‬إن هذا‬
  ‫بالضرورة تأويل جيد»(‪ .)1‬وعليه‪ ،‬فنحن هنا أمام‬       ‫المفهوم هو النقطة البدئية للتأويل‪ ،‬وهو الذي يفتحنا‬
‫تأويل يدعي لنفسه شيئين‪ :‬العقلانية‪ ،‬أي خضوعه‬
                                                         ‫على قضايا أخرى أبرزها التقابل الأساسي بين‬
   ‫لضوابط ومعايير تجعله مقبو ًل وعلميًّا أكثر‪ .‬ثم‬       ‫القاموس والموسوعة‪ .‬إن الحس المشترك عادة ما‬
     ‫اللانهائية‪ ،‬حيث يفسح المجال لمختلف الأفراد‬      ‫يرى أننا نلجأ بشكل دائم إلى القواميس لمنح دلالات‬
                                                       ‫ومضامين لعلامات أو ملفوظات؛ وبحسب تملكنا‬
  ‫والجماعات المؤولة بإعطاء وجهة نظرها وتأويلها‬          ‫لتلك القواميس يكون تأويلنا أوسع وأشمل‪ .‬وقد‬
 ‫لمختلف العلامات التي تعترضها‪ .‬والمسألة الأخيرة‬

   ‫تابعة للأولى بشكل كبير وخاضعة لها؛ ما يعني‬
‫أن اللانهائية التأويلية والانفتاح النصي لا يحيلان‬
   51   52   53   54   55   56   57   58   59   60   61