Page 53 - m
P. 53
51 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
(كافكا) في بعض أعماله مثل (القضية) و(القصر) سوى عينة صالحة للتشريح النقدي تعكس تشرب
وامتصاص النص الروائي لهذه الملامح الثلاثة التي و(مستعمرة العقاب) و(أمريكا) ،وبشكل خاص
أفرزتها اتجاهات الحداثة وما بعدها تنظي ًرا نقد ًّيا في رواية (المسخ) الأكثر تأثي ًرا في الأدب العالمي
وابدا ًعا روائيًّا. عمو ًما ،مع التنويه إلى إن كتَّا ًبا آخرين كان لهم
تأثيرهم ،إلا أن (فرانز كافكا) واحد من ثلاثة كتاب
إن الدلالات اللامتناهية للنص الروائي هي ناتج
طبيعي للتفاعل المستمر والمتجدد لذاكرة النص يتقدمون البقية في ممارسة التأثير على الأعمال
الرواية العربية ،كما يؤكد د.نجم عبد الله كاظم( .)49مع ذاكرة القارئ ،فالقراءة تختلف باختلاف
نوعية القارئ واختلاف رصيده المعرفي وتباين وتنتج كابوسية كافكا من «التناقض بين عالمه
الفعلي المعاشي [المعيش] الذي يسيطر عليه ككابوس خزينه الأدبي وأدواته الإجرائية في الولوج إلى
لا يجد فكا ًكا منه وعالمه الفكري الذي يستنجد به ،أعماق النص لتفكيك شفراته وفضح الكامن
ويحاول عبره إيجاد متاريس ،لتحصين شخصيته من مضامينه والكشف عن علاقاته النصية بعد
تحريره من أية سلطة فنية أو عقدية سابقة؛ لذا والتعبير عنها في محاولة يائسة للتغلب على
الكابوس ،الذي لم يتخ َّل عنه حتى آخر زفرة من
فإن أي قراءة تتمسك بصدقيتها وتزعم امتلاكها
زفراته ،أدى إلى خلق كلمة يتزاحم فيها الواقع مع للحقيقة الواحدة ،وتقدم نفسها على أنها قراءة
نهائية هي قراءة مضللة ،ربما لم تكشف إلا عن الخيال ..فالواقع مر وقاس ،والخيال طاغ مت َح ٍّد
وجه واحد من وجوه النص المتعددة .نسبية أية يريد التحليق فوق فخ الواقع»(.)50
إن لجوء الكاتب إلى صناعة المسوخ الروائية فض ًل قراءة واحتماليتها هي الأقرب إلى طبيعة الأدب
وإلى مفهوم (النص المفتوح)« .فقوة النص تكمن عما تضفيه من مسحة سحرية خيالية تغني
بالتحديد في هذا الغموض الدائم ،وفي هذا الرنين العمل وتمارس فعلها التشويقي على المتلقي ،فإن
المتواصل لعدد كبير من المعاني التي تسمح كلها «المسخ صورة متخيلة ،نابعة من واقع معين،
بالانتقاء دون أن تكون تحت سيطرتها»( ،)53كما وهذه هي الحقيقة .نعم في واقعنا الحي لا توجد
إس ينص إيكو. مسوخ ،ولكن حين نتغلغل في أعماق الناس ،نجد
لقد سعت الرواية خلال مسيرة تشكلها إلى إنتاج الكثير مسو ًخا [بما يتركه الواقع من أثر سيئ في
نص مفتوح على مستويات القراءة المتعددة :القراءة ذواتهم] ..والمجتمع الرأسمالي ث ٌّر ومشهور بهذه
الاستهلاكية التي تتغيَّا متعة الحكاية ،والقراءة المسوخ .وهو ما نستنتجه من مسخ كافكا»(،)51
كما يؤكد د.إبراهيم محمود .وفي روايتنا العربية؛
الإنتاجية التي تنقب في حفريات النص عن طبقاته
البنائية والدلالية العميقة ،فما النص في سطحه « ُيع ُّد المسخ واح ًدا من أهم الموضوعات العجائبيَّة
سوى القشرة والقناع .وإن عملية الكشف عن نتو ًءا في مدونتنا الروائية العربية ،بما يفيد من
المستور من طبقاته تتطلب استحضا ًرا واعيًا معان التحول ،والنقصان ،وضياع الهوية الكينونية
للتفاعلات النصية التي انصهرت في المتن الروائي، الأولى في ملامح كينونية ثانية ،أقل حت ًما من
وبالتناص تحدي ًدا ،بوصفه أداة نقدية كاشفة الأولى ،وأشد عتم ًة ،وأكثر قبحا ،وتشوي ًها»(.)52
تتضافر هذه الملامح الثلاثة( ،التجريب ،الواقعية
للمتون السردية التي تشكلت منها الرواية ،وحق ًل
السحرية ،الكافكاوية) بعضها مع بعض في تشكيل إجرائيًّا له آلياته وحدوده في تفكيك النص الروائي
وتحديد الطبيعة التناصية وما طرأ عليها من أبرز ملامح الرواية العربية الجديدة عمو ًما
استقطاع وتحويل وتورية والرواية العراقية تحدي ًدا ،وما الرواية العراقية