Page 51 - m
P. 51

‫‪49‬‬                 ‫إبداع ومبدعون‬

                   ‫رؤى نقدية‬

‫نجم عبد الله كاظم‬                 ‫محمد مفتاح‬               ‫دون أن تفقد هويتها حين تقلد الرواية الغربية‬
                                                           ‫في الاغتراف من الفلكلور الشعبي والخرافات‪،‬‬
     ‫يتحدث عنه بتمثيله رمز ًّيا والتعبير عن دلالاته‬   ‫وتسعى أن تطعم نفسها بسرود تاريخية وعقائدية‬
   ‫الكلية المستبطنة بالإيحاء لا بالتقرير والتصريح‪.‬‬
    ‫ويتجلى هذا الملمح بما يصطلح عليه بـ(الواقعية‬             ‫وأدبية لتأثيث عالمها التخييلي بهذه العناصر‬
                                                       ‫الحكائية (المحلية) فض ًل عن الأساطير ولكن بثوب‬
                                     ‫السحرية)‪.‬‬
‫لقد شخص ماركيز‪ ،‬رائد الواقعية السحرية ومؤلف‬                                                ‫عربي»(‪.)42‬‬
                                                          ‫إن التجريب‪ ،‬كما يؤكد خليفة غيلوفي‪« ،‬لا يكون‬
 ‫رواية (مائة عام من العزلة)؛ الرواية الأكثر تأثي ًرا‬     ‫ممكنًا دون افتراض وجود قواعد وتقاليد حاكمة‬
   ‫في الرواية العالمية والعربية بواقعيتها السحرية‪،‬‬
                                                            ‫للعملية الإبداعية ومؤثرة فيها‪ ،‬ودون امتلاك‬
‫الحدود التي تضبط إيقاع التخييل السردي وتحول‬              ‫ذاكرة أدبية‪ ،‬وتحدي ًدا روائية ما دمنا نتحدث عن‬
   ‫دون تحوله إلى فوضى بقوله‪« :‬إن المرء لا يمكن‬
  ‫أن يخترع كل ما يعن له دون ضوابط وإلا تحول‬                 ‫الرواية‪ ،‬بمعنى إن التجريب لا ُيعد تجريبًا الا‬
  ‫الأمر إلى مجرد أكاذيب‪ ،‬والأكاذيب في الأدب أكثر‬        ‫بعلاقته بالسابق له وموقفه منه [‪ .]..‬هذه الذاكرة‬
      ‫خطورة منها في الحياة الواقعية»(‪ .)44‬فطبيعة‬       ‫الروائية هي التي تجعل التجريب ممكنًا وهي التي‬
                                                        ‫تعطيه معناه‪ ،‬حين يقوم بعلاقته معها على التوتر‬
 ‫الرواية بوصفها عم ًل إبداعيًّا يحتم امتزاج عناصر‬      ‫ليتحدد باعتباره قطيعة معها ساعة يتطلب الخروج‬
     ‫المعقول باللامعقول والممكن والمستحيل‪ ،‬وخلق‬
                                                          ‫عن معاييرها والتأسيس لمعاييره الخاصة»(‪.)43‬‬
‫المفارقة بالارتفاع بالحدث المحتمل إلى مستوى عدم‬        ‫ولعل أبرز هذه المعايير في الرواية التجريبية يتمثل‬
  ‫الاحتمال بالشكل الذي يفقد معه الحدث موجبات‬            ‫بقدرتها على توظيف التقنيات والأساليب السردية‬
       ‫حدوثه الواقعية ولا يصدق لأنه غير واقعي‪،‬‬
       ‫ويدركه المتلقي بوصفه متخي ًل مع الاحتفاظ‬             ‫المتنوعة وتطويعها بالشكل الذي لا تكون فيه‬
   ‫بوظيفته المرجعية وبقدرته على الإحالة على واقع‬          ‫مجرد أوعية لنقل مضامين ودلالات وإنما أبنية‬
                                                      ‫شكلية حاملة للدلالة بذاتها ومتضمنة لوعي الكاتب‬
‫يجهد المتخيل في تمثيله‪ .‬وعليه‪ ،‬فالواقعية السحرية‬        ‫بالعملية الإبداعية وبرؤيته للعالم المقصود بالفعل‬
  ‫هي التوازن الدقيق والمحسوب بين عنصرين هما‬           ‫السردي‪ .‬فما تنازل المؤلف عن سلطته وتعدد الرواة‬
                                                       ‫والحوارية‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬إلا مظهر يعكس وعي‬
                                                         ‫المؤلف وانفتاحه على شخصياته الروائية المتباينة‬
                                                       ‫ثقافيًّا واجتماعيًّا‪ ،‬والوعي بتعددية الساردين الذي‬

                                                                     ‫يعكس وعي المبدع بالآخر المختلف‪.‬‬
                                                            ‫فإذا سلمنا أن (التجريب) هو الملمح الأهم في‬
                                                      ‫الرواية الجديدة الذي يشي بالتفاعل النصي ما بين‬
                                                        ‫الرواية العربية من جهة والرواية العالمية من جهة‬
                                                         ‫أخرى‪ ،‬فإن ملم ًحا آخر لا يخفى أثره وتأثيره في‬
                                                       ‫الرواية العربية يتجلى في السعي المحموم إلى إنتاج‬
                                                      ‫عوالم روائية تنتمي إلى واقعية لا تسعى إلى محاكاة‬
                                                        ‫العالم (فوتوغرافيًّا) سعيًا للمطابق ما بين الفضاء‬
                                                        ‫الروائي الافتراضي المتخيل وبين الفضاء الواقعي‬
                                                       ‫المعيش‪ ،‬وإنما تسعى إلى إنتاج عوالم موازية قادرة‬
                                                          ‫على تمثيل الواقع عبر (التخييل) بوصفه فاعلية‬
                                                       ‫منتجة قادرة على صهر عناصر الواقع مع عناصر‬
                                                         ‫الخيال في قالب سردي ينفصل عن الواقع‪ ،‬لكنه‬
   46   47   48   49   50   51   52   53   54   55   56