Page 47 - m
P. 47
45 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
خلال تشربها وامتصاصها
لثيمات نصية تسعى إلى
تنظيم فوضى الواقع
الراهن في متن روائي
بتشكيلات سردية مختلفة
تنتمي بمجملها إلى خطاب
مستفز ومحفز على إنتاج
عوالم موازية متورطة
بشكل أو بآخر بالواقع
السياسي والاقتصادي
والاجتماعي والديني
والأيديولوجي والمعرفي.
لذا فكل رواية تخضع
بشكل قسري لسلسلة
من الخطابات المتداولة في
رولان بارت جيرار جنيت جوليا كريستيفا متون سردية سابقة من
دون السعي إلى محاكاتها،
فالمحاكاة «لا تفرز إ َّل نصو ًصا منسوخة يزاحمها
تعد العتبات النصية (المناصات) نصو ًصا موازية الأصل دائ ًما ويجثم على صدرها فتغيب وتنتفي
للمتن الروائي وموجهات قراءة متنوعة في أشكالها، ملامحها ،ومع مرور الزمن تهترأ ،فالمحاكاة
ولعل أشهرها العنوان والتصدير والتقديم والإهداء
عادة طفولية لا تتناسب وسن الرشد الذي نحيا،
والهامش فض ًل عن صورة الغلاف ،إلا أن أنسا ًقا
أخرى من الممكن أن يجترحها النص الأدبي تب ًعا وما يناسبنا هو تجاوز المحاكاة [إلى] التناصية،
لضرورات نصية ،يقضي سياق معين في إحلالها
في فضاء الخطاب الأدبي( ،)27بالشكل الذي تنجز حيث الاختلاف هو ما يمنح النصوص شرعية
معه وظائف متعددة تتباين من متن سردي إلى
آخر .فإذا نظرنا إلى العنوان الذي تحولت دراسته الوجود»( .)24فالنصوص المتناصة ليست تج ُّمعات
مجانية لنصوص سابقة ولا تداعيات مهيمنة
إلى علم يطلق عليه (علم العنونة)( ،)28نجده
يؤدي ،بحسب جنيت ،أربع وظائف محددة وهي: تفرزها مخزونات الذاكرة ،وإنما لها أثرها وتأثيرها
(الوظيفة التعيينية ،والوظيفة الوصفية ،والوظيفة
الدلالية الضمنية المصاحبة ،والوظيفية الإغرائية أو أي ًضا ،في بعد آخر وهو توجيه القراءة بما يضمن
الإشهارية)( .)29فلم يعد العنوان «زائدة لغوية يمكن
استئصالها من جسد النَّص»( ،)30بل دالة مهيمنة تعددية القراءة بوصف النص آلة مشفرة ذات
ومحطة أولى في أي قراءة استكشافية ومم ًرا لولوج
النص الأدبي وموجهة تواصلية تنشأ (عقد قراءة) رؤوس قرائية متعددة تقرأ نصو ًصا أخرى ،كما
ما بين المرسل إليه والمرسل في تلقي المرسلة (النص يؤكد دريدا( ،)25وتنفتح على قارئ يتجاوز القراءة
الأدبي). المغلقة والقراءة الواحدة.
بهذا تتداخل (الأيقونة الصورية) الأمامية لأغلفة
الروايات في تصميمها مع (أيقونة الكتابة) الخلفية مما تقدم تستوعب الرواية بوصفها جن ًسا
غير مكتمل ،كما يصفها باختين( ،)26الخطابات
والسياقات المختلفة فض ًل عن انفتاحها على
الأجناس الأدبية المتاخمة لها أو تلك التي تنمو
وتشكل مستقلة عنها أحيا ًنا في حدود حوار معلن
أو مضمر .وتعد هذا خصيصة لا تنجو من سلطتها
رواية بغض النظر عن قيمتها الفنية ،وعن مدى
شيوعها من عدمه.