Page 42 - m
P. 42
العـدد 55 40
يوليو ٢٠٢3
مشاهد الأعياد والطقوس والاحتفالات الربيعية وانفصال عن القيم ،لا يعني ذلك أن الرواية
التي حرصت الشياطين على تأديتها تخلي ًدا لذكرى أغفلت الكشف عن عورات الأنظمة الاجتماعية،
والاقتصادية ،المنبثقة عن النظام الإقطاعي ،ثم
انتصارهم على الإنس ،إضافة للمشاهد التي النظام الرأسمالى ،والنظام الشيوعي ،لم تقدم
جاءت ترشي ًحا لبعض الروايات العالمية مثل رواية الرواية ح ًّل ،فالفن لا يقدم حلو ًل ،إنه فقط يشير
ديستويفسكي «الأخوة كرامازوف» ،وتلك المشاهد
المقربة التي تشير إلى العلاقة الحسية بين عصفة إلى الخلل.
يوازى عالم الإنس عالم الجن الذين سكنوا
وزلنبح ،أو قتل زلنبح الصغير للرجل المخنث. الصحراء ،واتخذوا من شجرة الجن مرك ًزا لهم،
والاستعانة بالصور البصرية بشكل لافت ،وكأننا ويبرع الكاتب في تقديم عالم عجائبي ،بداية من
نرى شري ًطا سينمائيًّا ،لعل مرجع ذلك حب الكاتب اختيار الأسماء كـ»زلنبح ،وكروب ،وحوحو،
وسفساف ،وشينيكا وتايرو ،ووصفه قبائل الجن
للسينما ،ودراسته لفن السيناريو ،هذه المشاهد وأشكالها وراياتها وسحنهم المختلفة ،وخصائصهم
البصرية محفزة للخطاب السردي. النفسية ،وقدراتهم الخارقة في ملاعبة الإنس،
وعاداتهم وأفكارهم ،وممارستهم اللهو في أعيادهم
أحد محفزات الرواية لمخيلة القارىء ،استعادة وأفراحهم وأحزانهم ،إنه عالم متكامل ،له قدرات
حكايات الجدات عن عالم الشياطين والعفاريت، تفوق عالم الإنس في التخفي والتشكل ،وإيذاء
تنشط مخيلة المتلقي ،ويمتزج المتخيل الماضي مع البشر ،والبطش بهم ،وهو ما فعله زلنبح الابن.
متخيل المبدع ،لينتج صورة عن عالم الجن والمردة. انفتح الخطاب السردى على حكايات الجن ،ورحلة
جاءت لغة السرد سلسة ،تحمل بعض المفردات زلنبح الابن .إنها تشف عن نوازع الشر الموجودة
الغريبة على المتلقى ،تتلاءم مع طبيعة هذه الكائنات في النفس البشرية ،أراد الكاتب أن يدلل على رمزية
الشفافة ،والتي تتمتع بخروقات المنطق والطبيعة الخير والشر ،ونسبية الصواب والخطأ ،التسامح
البشرية ،وهي مستحضرة من الموروث الشعبى والمحبة ،هذه القيم التي طالما تشدقت بها البشرية،
عند استحضار الجان وغيره من الكائنات غير صارت على المحك ،اختبرها الجن ،وأثبت أن هذه
الملموسة ،ومع ذلك فإن هذه الكلمات لم تعطل المنظومة القيمية التي تنادي بها البشرية يعتورها
عدم التحقق والنقص ،فثمة خروقات كثيرة من
مقروئية المتلقى ،أو تعرقل تسلسل مجريات فعل البشر أنفسهم مما جعل الإنسانية أمام اختبار
الأحداث ،يتخلل السرد وصف تفصيلي للأشياء وابتلاء كبيرين .كما أن الشخصية الإنسشيطانية
والأحداث ،ويقوم بدور الايقاع الداخلي في تسريع
عانت من الانقسامات الحادة التي دمرت
الحدث أو إبطائه. الشخصية ،وكل من اقترب منها.
أجاد الكاتب الوقوف أمام نفسية الشخصيات،
وما اعتورها من تحولات وتبدلات الأدوار في لم تكن الشخصيات ذات بعد أحادي ،شريرة أو
ثراء الشخصيات ،فهى مكتنزة وعميقة تبتعد خيِّرة ،هي حاملة للخير والشر ،لذا نجدها تقع في
أزمة وجودية حادة ،حاكمة ،غير قادرة على الفكاك
عن السطحية ،السمة التي تطالعنا في غالبية منها ،لذا سنجد الموت هو الطريق الوحيد للخلاص
الشخصيات ،سواء الرئيسية أو الثانوية.
من أزمتها.
اهتم الكاتب في أعماله السردية بالبحث عن القيم لعب الكاتب على فكرة الهاجس ،وتهيئة المتلقى
الإنسانية ،وإن عني بالبحث عن رغبات شخصياته، للحدث دون التصريح به من البداية ،بدت الأحلام
وما اعتورها من شطط وجنوح ،وأضفى على المكان والكوابيس بوابة تثري السرد القصصي الدرامي؟
غلالة شفيفة تؤكد على أسطرة الواقع ،فزلنبح الابن نلمس في مناطق كثيرة من الرواية مشاهد صبغت
بصبغة المسرح الاستعراضي ،كما هو الحال في
بما يمتلكه من الشر ،يحن إلى موطنه ،إلى حضن
أمه ،وحديث أخته ،إلى طفولته ،يحن إلى الوجود
الإنساني في صفائه ،فأدول كما قال شاكر عبد
الحميد« :يحفر المكان داخل الذات لاستكشاف
تجليات العوالم داخل المكان».