Page 39 - m
P. 39

‫الخطاب الروائي في رواية "زلنبح"‬                                              ‫حجاج أدول‬

   ‫يعتمد على استحضار ما هو ماضوي‪،‬‬                           ‫والزراديشتية‪ ،‬والبوذية‪ ،‬بل إن النار تعد من‬
                                                            ‫طقوس المتصوفة‪ ،‬ثمة من يمشى على الجمر‪،‬‬
   ‫والبحث في مدلولاته القيمية‪ ،‬لإعادة‬
                                                                 ‫أو يجتاز جسده أطواق النار دون أذى‪.‬‬
  ‫اكتشاف علة الخليقة‪ ،‬بدون أن يغلب‬                              ‫النار عنصر من عناصر الطبيعة الأربعة‪:‬‬
                                                             ‫النار‪ ،‬والهواء‪ ،‬والماء‪ ،‬والتراب‪ ،‬ويقول علماء‬
    ‫المنظور الديني أو المنظور العلمي‪،‬‬                 ‫النفس‪ :‬إن هذه العناصر تتحكم بالصفات الأخلاقية‬

        ‫فهو ينطلق من المنظور الديني‬                                                         ‫للإنسان‪.‬‬
                                                      ‫لا شك أن حجاج أدول قرأ كثي ًرا عن هذه المخلوقات‬
   ‫المسلم به‪ ،‬كون آدم خلق في الجنة‪،‬‬
                                                            ‫سواء في الكتب الدينية‪ ،‬أو التراثية‪ ،‬أو الثقافة‬
          ‫وتبع غرائزه‪ ،‬وأكل من الشجرة‬                 ‫الشعبية‪ ،‬بما فيها معتقدات‪ ،‬وعادات‪ ،‬إلخ‪ .‬يبدو هذا‬
                                                      ‫منذ اختار المكان الذي يتجاور فيه الإنسان والجن‪،‬‬
  ‫المحرمة‪ ،‬فطرد هو وحواء من الجنة‪.‬‬                     ‫وكيف تشكل هذا الإنسان «ضرغام» الذي تبدأ به‬
                                                        ‫الرواية‪ ،‬ولماذا التمرد على واقعه‪ ،‬وعلى القهر الذي‬
‫هل الحياة هي العقاب الإلهى للإنسان‬
                                                         ‫تعرض له مجموعة البشر الذين امتلكوا الأرض‪.‬‬
                     ‫على معصيته الأولى؟‬                 ‫عناوين فصول الرواية عتبات استهلالية‪ ،‬ترهص‬

     ‫بطل هذه الرواية دون منازع‪ ،‬ويتوقع القارئ أن‬            ‫بمحتوى الفصل‪ ،‬وتمهد للفصل التالي‪ ،‬يسير‬
     ‫الحدث سيكون له أثره البالغ في أحداث الرواية‪،‬‬       ‫الخطاب السردي في خط تصاعدي‪ ،‬إلا أن حجاج‬
      ‫وشخصياتها‪ ،‬ثم نلحظ أن الرواية تتخذ من ًحى‬
  ‫ملحميًّا‪ ،‬فالحدث جزء لم ينفصل عما عانته البشرية‬         ‫أدول ينوع في نسيج البنية السردية‪ ،‬فهي بنية‬
    ‫منذ البداية‪ ،‬وهنا تلميح خفى لبداية الخليقة‪ ،‬خلق‬   ‫تقترب من الحكاية الشعبية‪ ،‬في البداية يكون القول‬
    ‫الإنسان‪ ،‬وعدم اعتراف الشيطان بتفضيل الله له‪،‬‬
     ‫وجعله خليفته في الأرض «وعلمه الأسماء كلها»‪،‬‬          ‫المأثور «معظم النار من مستصغر الشرر»‪ ،‬هذا‬
                                                      ‫قول مأثور ينبئ عن حكاية «زلنبح» الأب‪ ،‬فالعبارة‬
       ‫لكن المتلقى لا يدرك ذلك‪ ،‬فالكاتب يتجه وجهة‬     ‫السابقة‪ ،‬توحي بأن هناك أم ًرا جل ًل مرتب ًطا بالنار‪،‬‬
  ‫أخرى عندما يحدثنا عن شأن إنساني بحت‪ ،‬الطبقية‬
   ‫التي تحكم العالم‪ ،‬فهو قد انقسم إلى أغنياء وفقراء‪،‬‬     ‫ثمة حكاية‪ ،‬وهذه الحكاية خاصة بـ»زلنبح»‪ .‬إنه‬

        ‫ترى أي الاتجاهين يسلك الكاتب؟ هل يستمر‬
     ‫في اتجاهه الواقعي‪ ،‬وكأنه هو المسيطر؟ الخطاب‬
  ‫السردى يهتم برسم الأجواء المحيطة بالقرية‪ ،‬كيف‬

                                 ‫يحيا الناس فيها؟‬
       ‫ثمة القهر الذي يتلقونه على أيدي السادة ملاك‬
       ‫الأرض‪ ،‬وتذمر البعض‪ ،‬نحن نلمس الغليان في‬
   ‫الصدور‪ ،‬لكنه غليان مكتوم‪ ،‬ليس في مقدور الناس‬

                                         ‫البوح به!‬
   34   35   36   37   38   39   40   41   42   43   44