Page 34 - m
P. 34

‫العـدد ‪55‬‬   ‫‪32‬‬

                                                  ‫يوليو ‪٢٠٢3‬‬

           ‫كل التفاصيل بشكل غاية في الواقعية‪.‬‬      ‫وفجر وعشاء‪ .‬تم تحديد الزمن في الرواية العربية‬
                                  ‫‪ -5‬الأحداث‪:‬‬     ‫على أنه فصل الخريف‪ ،‬فجاء يحمل مدلو ًل لأحداث‬

      ‫ترسم رواية «زهر الخريف»‪ ،‬لوحة زاخرة‬              ‫الرواية بشكل لافت‪ ،‬كما كان هناك ما يعرف‬
    ‫بالتشكيل الجمالي‪ ،‬على مستوى اللغة والبناء‪،‬‬     ‫بالاستباق أو الاسترجاع لربط الأحداث ببعضها‪.‬‬
                                                    ‫أما الرواية الألمانية فكانت أحداثها مستوحاة من‬
       ‫وجاءت حافلة بالمعاني الاجتماعية‪ ،‬والقيم‬
   ‫الإنسانية‪ ،‬لبشر مج َهدين ير ِّوضون الوقت في‬        ‫فترة الحرب العالمية الثانية واعتمد السرد فيها‬
    ‫انتظار الغائب بعي ًدا في الحرب‪ ،‬في ذلك الزمن‬  ‫على الزمن التاريخي لهذه الفترة‪ ،‬حيث قدم الكاتب‬
 ‫الفاصل بين حربي ‪ 1967‬و‪ .1973‬تدور أحداث‬
    ‫الرواية‪ ،‬التي تتخذ من شابين‪ ،‬أحدهما مسلم‬                   ‫تفاصيل دقيقة لملامحها وما دار بها‪.‬‬
    ‫والآخر مسيحي‪ ،‬بطلين لها‪ ،‬في قرية معزولة‬          ‫في الرواية العربية كانت الأحداث مستوحاة من‬

     ‫في وسط صعيد مصر‪ ،‬وتحارب بالرصاص‬                   ‫فترة حرب أكتوبر ومواجهة المستعمر ببسالة‬
  ‫والغناء اللصوص الطامعين في القوت والبهائم‪.‬‬        ‫وتكاتف الأهالي‪ .‬ولوحظ تنوع الزمان من مشهد‬
‫في الليل‪ ،‬تختلط فرقعات البنادق الآلية مع صوت‬       ‫لآخر بشكل منمق دون أن يؤثر بالسلب في البنية‬
  ‫عذب‪ ،‬وربابة شجية‪ ،‬لشاعر يستدعي في نشوة‬
 ‫مستعرة سيرة أبي زيد الهلالي ورفاقه‪ ،‬العامرة‬                                     ‫السردية للرواية‪.‬‬
  ‫بالبطولة والرجولة والنبل‪ ،‬فيشعل الحماس في‬                                         ‫ثان ًيا‪ -‬المكان‪:‬‬

     ‫النفوس المتألِّقة وسط الظلمة الشاملة‪ .‬وهذه‬    ‫يعد المكان الروائي عنص ًرا مه ًّما من عناصر البناء‬
  ‫الروح الأصيلة والحزينة في آن‪ ،‬جعلت الرواية‬            ‫الفني للنص الأدبي‪ ،‬فلا رواية خارج المكان‪.‬‬
  ‫تحتفي بالموروث القصصي الشعبي‪ ،‬إلى جانب‬
                                                  ‫ويتحول المكان فى بعض الأعمال المتميزة‪ ،‬كما رأينا‬
     ‫بعض ألوان الفلكلور‪ ،‬مثل الأمثال والتنجيم‬         ‫فى الروايتين محل الدراسة‪ ،‬إلى فضاء يحتوي‬
‫والحكمة الإنسانية الخالصة‪ ،‬التي اقتطفها المؤلف‬       ‫على كل العناصر الروائية‪ ،‬بما فيها من حوادث‬
                                                       ‫وشخصيات‪ ،‬وما بينها من علاقات‪ ،‬ويمنحها‬
   ‫من مصادرها الأصلية‪ ،‬وو َّظفها تبا ًعا في نصه‬       ‫المناخ الذي تدور فيه‪ ،‬وتعبر عن وجهة نظرها‪،‬‬
   ‫السردي المتدفق‪ .‬بطلا الرواية قادا أهاليهما في‬
   ‫معارك حامية دفا ًعا عن قريتهما الوديعة‪ ،‬ضد‬      ‫ويكون هو نفسه المساعد على تطوير بناء الرواية‪،‬‬
 ‫عصابات الليل‪ .‬فالكاتب هنا جعل الأحداث تسير‬            ‫والحامل لرؤية البطل‪ ،‬والممثل لمنظور المؤلف‪.‬‬
  ‫بوتيرة طبيعية‪ ،‬حيث بدأت الأحداث مع ظروف‬
 ‫الحرب وكيف يتعامل أهل القرية مع هذه النكبة‪،‬‬      ‫بهذه الحالة بدا المكان كالإطار الذي يحيط باللوحة‪.‬‬
‫حتى تدرجت الأوضاع لتصل إلى أقصى درجات‬             ‫فالمكان الرئيسي في الرواية الألمانية يتمثل في ألمانيا‬
  ‫الحماس والاندفاع لاسترداد حق الوطن ورفع‬
   ‫راية النصر‪ ،‬وانتهت بتحقيق الانتصار المنتظر‬        ‫الشرقية وشملت كل من الوصف مثل الفوضى‬
‫واستشهاد ميخائيل وضياع علي فى الصحراء مع‬             ‫العارمة في المكان‪ ،‬الطقس البارد‪ ،‬قلة الإمدادات‪،‬‬
                                                      ‫السور والاسلأك الشائكة‪ ،‬لافتة منطقة حدود‪،‬‬
                 ‫طرح التساؤلات حول اختفائه‪.‬‬        ‫وقدم الكاتب أي ًضا وص ًفا لألمانيا الغربية وذكرها‬
        ‫أما في «أرض لا صاحب لها» فهي تصف‬
  ‫برلين أثناء الحرب الباردة‪ ،‬حيث يلقي ماتياس‬           ‫عندما كان يتحدث عن العمة التي كانت تعمل‬
 ‫فريدريش موكه الضوء من منظور شهود عيان‬                ‫مهربة بضائع من الغرب للشرق‪ .‬وظهر تنوع‬
  ‫للعصر‪ ،‬وبنظرة دقيقة على الخصوصيات التي‬              ‫المكان فى هذه الرواية‪ ،‬فكل مكان كان ينقل لنا‬
    ‫اتسمت بها الحياة اليومية في برلين الشرقية‪،‬‬    ‫تفاصيل مشهد وذكرى شخصية ومعاناة وشعب‪.‬‬
     ‫وكذلك أوجه الحرمان بها‪ .‬إنها قصة شابين‬
‫مراهقين (فرانك وصديقه)‪ ،‬أحدهما طليق اللسان‬               ‫أما في الرواية العربية فالمكان تمثل في قرية‬
                                                   ‫صغيرة بمحافظة المنيا اسمها «الإسماعيلية» التي‬
                                                    ‫ترعرع بها الشابان علي وميخائيل بطلا الرواية‪،‬‬

                                                        ‫والتي احتضنت بدورها العديد من الأحداث‬
                                                    ‫والمشاهد بين أهالي القرية واللصوص وغيرهم‪،‬‬
                                                     ‫وعكست عادات وتقاليد القرى المصرية‪ ،‬ونقلت‬
   29   30   31   32   33   34   35   36   37   38   39