Page 31 - m
P. 31

‫‪29‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

  ‫لها ودوريات الحدود‪ ،‬يتسلل الخوف إلى الراوي‪،‬‬        ‫هذا الشيء المرعب‪ ،‬وهنا يقول‪« :‬أيقظتني أمي ذات‬
 ‫لتتردد في ذهنه الأسوار والأسلاك الشائكة وأبراج‬       ‫مرة والطقس في الغرفة بارد ج ًّدا ومظلم وبالكاد‬
                                                      ‫أفتح جفني‪ ،‬تقول أمي الثلج يتلألأ في الغرب لكن‬
  ‫المراقبة التي لا يمكن التغلب عليها‪ ،‬ثم أخذ يتذكر‬      ‫الثلج في الشرق يفزعنا وينحت البيوت القديمة‪،‬‬
    ‫المناظر الطبيعية والبيوت المهجورة التي اكتنفها‬      ‫هناك فوضى مرورية وهناك قلة في الإمدادات‪.‬‬
    ‫التراب من كل جانب‪ ،‬وحينها قام وفد من فوج‬              ‫كما يوجد جدران في الشارع محاطة بأسلاك‬
       ‫الحرس بشرح الغرض لي من جدار الحماية‬              ‫شائكة‪ ،‬ويقول لنا المعلم دائ ًما «انظر إلى الشرق‬
                                     ‫الاشتراكي‪.‬‬
                                                     ‫حيث تشرق الشمس» ويحدثنا عن المعتدي الغربي‬
  ‫حين سمع الراوي طلقات الرصاص عند الحدود‪،‬‬             ‫الذي يمثل خط ًرا دائ ًما وعن محدودية الرأسمالية‬
   ‫أخذ يتمتم‪« :‬هؤلاء القتلة الملعونين يتحدثون عن‬    ‫المتعفنة‪ ،‬ويختتم قوله «كن مستع ًدا من أجل السلام‬
  ‫السلام ويهزمون كل ما يدعو إلى الحرية»‪ .‬وكان‬
    ‫في هذه اللحظة يريد التسلل مع فرانك إلى ألمانيا‬                                    ‫والاشتراكية»‪.‬‬
                                                       ‫والدة الراوي هي السيدة شوبرت‪ ،‬رئيس السنة‬
          ‫الغربية‪ ،‬لكن تم ضبطه‪ ،‬فيما قتل فرانك‪.‬‬      ‫الأكاديمية‪ ،‬تتحدث عن الإرث الثوري للشعب‪ ،‬عن‬
    ‫دار في ذهن الراوي فيلم فظيع عرض هذه المرة‬       ‫القضية النبيلة للاشتراكية‪ ،‬والنضال من أجل الأمة‬
   ‫من منظور مختلف‪ .‬فرانك في شريط الموت عاب ًرا‬      ‫البروليتارية‪ ،‬وترى ضرورة أن يقف كل واحد ضد‬
‫الحدود غير الشرعية‪ ،‬وبعدها مرت سيارة إسعاف‬          ‫هجمات العدو الطبقي الإمبريالي‪ ،‬وتعول في هذا على‬
   ‫عبر شريط الموت لتنقله إلى المستشفى حيث لقى‬
     ‫حتفه وهو في الطريق‪ ،‬بعد بضعة أيام‪ ،‬تم نقل‬                                             ‫الشباب‪.‬‬
‫جثته من قبل أمن الدولة‪ ،‬وحرقت في محرقة الجثث‬        ‫وتوجد شخصية الصديق فرانك‪ ،‬القائد ذو المعطف‬
                                                     ‫الأزرق‪ ،‬الذي يحاضر عن العمل الجاد في المصانع‬
                      ‫الكائنة في المقبرة الجنوبية‪.‬‬   ‫والاقتصاد المخطط والشعور الاشتراكي بالواجب‪،‬‬
   ‫عند عودة الراوي إلى منزل أمه عثر على شيء لا‬      ‫ويرى أن الشعار يجب أن يكون‪« :‬تعلم‪ ،‬ابق عينيك‬
‫يصدق ألا وهو شهادة وفاة أخوه التوأم‪ ،‬الذي طالما‬
                                                        ‫مفتوحتين وتابع عملية الإنتاج بفضول»‪ ،‬بينما‬
                     ‫أخفته عنه أمه لسنين طوال‪.‬‬          ‫كانت لافتة المبنى مكتو ًبا عليها «يجب أن يكون‬

‫عناصر تحليل مقارن للروايتين‪:‬‬                                                       ‫السلام مسل ًحا!»‪.‬‬
                                                       ‫عند رؤية أسوار الأسلاك الشائكة التي لا نهاية‬
                                    ‫‪ -1‬الراوي‪:‬‬
      ‫الراوي في «زهر الخريف» هو را ٍو عليم بكل‬
    ‫تفاصيل وشعور الشخصيات وكل شيء مثل‪:‬‬
 ‫الأحداث التي ستقع لشخصيات العمل ودواخلهم‬
‫النفسية‪« :‬هبت من نومها مذعورة فولت بقايا الليل‬
 ‫الراقدة على جفنيها هاربة من النافذة المفتوحة على‬
‫خيوط رمادية لفجر يأتي على مهل وارتسمت هناك‬
  ‫في البعيد الأسود ألسنة من نار وهالات من نور‬
   ‫تابعتها العجوز بعينين زائغتين في خوف ولهفة‬
 ‫دون أن تدري إن كانت لا تزال تصارع الكابوس‬
      ‫الذي باغت نومها اللين أم تعيش لحظة يقظة‬

                  ‫قاسية‪ ،‬لم تمر يو ًما بخاطرها»‪.‬‬
 ‫ويحدد الراوي معالم كل شخصيات عالمه التخيلي‪،‬‬
 ‫ويرسم عواطفهم‪ ،‬وهو المطلع المتحكم في الأحداث‬
   26   27   28   29   30   31   32   33   34   35   36