Page 44 - m
P. 44
العـدد 55 42
يوليو ٢٠٢3
د.عمار عزت
(العراق)
علاقات التفاعل النصي وأشكاله
في الرواية المعاصرة
لقد سعت الرواية خلال مسيرة تشكلها إلى إنتاج نص مفتوح على
مستويات القراءة المتعددة :القراءة الاستهلاكية التي تتغ َّيا متعة
الحكاية ،والقراءة الإنتاجية التي تنقب في حفريات النص عن طبقاته
البنائية والدلالية العميقة ،فما النص في سطحه سوى القشرة والقناع.
وإن عملية الكشف عن المستور من طبقاته تتطلب استحضا ًرا واع ًيا
للتفاعلات النصية التي انصهرت في المتن الروائي ،وبالتناص تحدي ًدا،
بوصفه أداة نقدية كاشفة للمتون السردية التي تشكلت منها الرواية،
وحق ًل إجرائ ًّيا له آلياته وحدوده في تفكيك النص الروائي وتحديد
الطبيعة التناصية وما طرأ عليها من استقطاع وتحويل وتورية.
وعدم القصد تارة والقصد والوعي تارة أخرى(.)2 لقد أسهم التحول الذي طرأ على مفهوم (النص)
بهذا التصور يكون النص ،كما تصفه (جوليا
نتيجة الانتقال من الحداثة إلى ما بعد الحداثة في
كريستيفا) لوحة فسيفسائية ،وهو ،في الوقت ذاته، إنتاج وعي مغاير لحدود النص الأدبي الذي ما عاد
لعبة «امتصاص وتحويل وإثبات ونفي لنصوص بنية فنية مغلقة ومستقلة كما في التصور البنيوي،
أخرى»( ،)3ويلخص مفهوم (التناص) هذه اللعبة بل هو بناء ذو فضاء منفتح على نصوص متنوعة
اللغوية التي تتجاوز عمليات البحث عن المصادر تنتمي إلى الجنس الأدبي نفسه أو إلى نصوص من
التي تش َّكل منها النص الأدبي «إلى الوقوف على
الكيفية التي تشتغل بها هذه الأصول في النص خارج الجنس والنوع ،يحكمها الترابط والتداخل
المركزي عبر عمل تحويلي»( )4مشددة على مبدأ والتفاعل .فالنص إشارة فنية متعالقة مع نصوص
التحويل ( )Transpositionبوصفه من الآليات سابقة ولاحقة عبر فاعليتين أساسيتين هما (الكتابة
النقدية الأساسية التي يقوم عليها (التناص) .من والقراءة) .فكما أن الكتابة تحتم استدعا ًء واعيًا أو
هذا المعنى أخذ بارت مقولته“ :إن كل نص هو غير وا ٍع لنصو ٍص سابقة ،فإن ك َّل قراءة هي إعادة
نسيج من الاقتباسات التي تنحدر من منابع ثقافية كتابة للعناصر اللغوية وغير اللغوية المشاركة في
متعددة”( ،)5وإن الكتابة ،كما يؤكد ،تظل ممتلئة بناء النص( .)1وبهما يكون قوام العملية الإبداعية
بذكرى استعمالاتها السابقة ،لأن اللغة لا تعود قط التي ترتكز على التوليد والتحويل .و ُتنجز ،كما
حدده (مارك انجينيو) ،في إطارين اثنين :العفوية