Page 46 - m
P. 46

‫العـدد ‪55‬‬   ‫‪44‬‬

                                                      ‫يوليو ‪٢٠٢3‬‬

    ‫جديدة تتمخض عن شخصية نصوصية فريدة‬                       ‫بريادة المعنى”(‪ .)15‬ويقع على مستويي النص‬
‫ومتميزة ومختلفة وكل ما فيها من تشابه فهو شبه‬          ‫الإبداعي (شك ًل ومضمو ًنا) فيتولد عنه شكلين هما‬

                         ‫يفضي إلى اختلاف”(‪.)20‬‬                 ‫(التناص الشكلي والتناص المضموني)(‪.)16‬‬
                                                         ‫إن (حتمية التناص) هي شرط أساسي في إنتاج‬
        ‫علاقات التفاعل النصي‬                           ‫أي نص‪ ،‬وهي مسلمة لا مفر للكاتب من الخضوع‬
                                                          ‫لشروطها وآلياتها بشكل تفقد معه اللغة نقاءها‬
      ‫لقد أسهمت دراسات جيرار جنيت في توسعة‬               ‫وعذريتها كما يفقد النص هويته بوصفه جوه ًرا‬
      ‫مفهوم التفاعل النصي ليكون (التناص) الذي‬            ‫لا سابق له‪ ،‬وإن حضوره وتشكله يخضع لآلية‬
 ‫أوجدته كريستيفا واح ًدا من العلاقات النصية التي‬        ‫إدماجية لوعي الكاتب مع الوعي الجمعي وتفاعل‬
   ‫أدرجها تحت عنوان أوسع أطلق عليه (المتعاليات‬        ‫النص بالنص الآخر وتلاقح وعي المتلقي بالعناصر‬
   ‫النصية)(‪ )21‬كما أشرنا‪ .‬وقد ح َّدد جينيت التعالي‬
                                                           ‫الواعية المعلنة أو المضمرة في النص‪ .‬فالتناص‬
                         ‫النصي في خمسة أنماط‪:‬‬               ‫كما يؤكد مفتاح‪“ ،‬شيء لا مناص منه لأنه لا‬
      ‫‪ -1‬التناص‪ :‬العلاقة بين نصين أو أكثر‪ ،‬وهو‬              ‫فكاك للإنسان من شروطه الزمانية والمكانية‬
                                                        ‫ومحتوياتهما‪ ،‬ومن تاريخه الشخصي أي ذاكرته‪.‬‬
               ‫حضور فعلي لنص داخل نص آخر‪.‬‬               ‫فأساس إنتاج أي نص هو معرفة صاحبه للعالم‪،‬‬
‫‪ -2‬المناص أو (النص الموازي)‪ :‬يشمل عتبات النص‬               ‫وهذه المعرفة هي ركيزة تأويل النص من قبل‬

    ‫(العنوان والمقدمات والحواشي‪ ،‬وكلمات الناشر‬                                       ‫المتلقي أي ًضا”(‪.)17‬‬
                                ‫والصور‪ ..‬إلخ)‪.‬‬             ‫بهذا فإن النص يتراوح ما بين فردانيته وذلك‬
                                                          ‫لامتلاكه ريادة المعنى‪ ،‬وبين تماهيه وتخليه عن‬
‫‪ -3‬الميتا نص‪ :‬ما وراء النص‪ ،‬وفيه يتم الحديث عن‬         ‫أصالة وجوده لأن صدفة وجوده خاضعة لأنساق‬
  ‫نص آخر من دون الاستشهاد به‪ ،‬وغالبًا ما يأخذ‬         ‫نصية وعبر نصية خضعت لحوارية غيبت نصو ًصا‬
                            ‫الحديث طاب ًعا نقد ًّيا‪.‬‬     ‫وأظهرت أخرى ومارست عمليات إزاحة وإحلال‬
‫‪ -4‬النص الأعلى أو (التعلق النصي)‪ :‬علاقة تحويل‬          ‫وعمليات ترسيب وقضايا يحكمها السياق‪ ،‬بدونها‬
       ‫ومحاكاة بين نص أعلى (أصل) ونص أسفل‬              ‫ما كان لمتنه أن يتشكل جس ًدا له استقلاله النسبي‬
                               ‫(متفرع ومتسع)‪.‬‬           ‫عما يحيط به من نصوص‪ .‬وبكلمات أخرى‪ ،‬يؤكد‬
    ‫‪ -5‬جامع الن ِّص أو (معمارية النص)‪ :‬أي النوع‬           ‫عبد الله إبراهيم بأن “النص القديم لم يكن عبئًا‬
‫الأدبي الذي ينتمي إليه نص ما‪ ،‬ويتضمن مجموعة‬                 ‫يمارس هيمنته وسطوته على النص الحديث‪،‬‬
                                                      ‫فالأخير‪ ،‬بمقدار ارتباطه بالأول‪ ،‬فهو متحرر يمتلك‬
‫الخصائص التي ينتمي إليها كل نص «رواية‪ ،‬قصة‪،‬‬
   ‫شعر‪ .)22(»..‬فالجنس الأدبي كما يصفه باختين‪:‬‬                                ‫خصوصيته وخصبه”(‪.)18‬‬
                                                       ‫إن النص الأدبي‪ ،‬كما توضح رؤية صبري حافظ‪،‬‬
‫يحيا في الحاضر‪ ،‬ولكنه يتذكر ماضيه وأصله‪ ،‬فهو‬            ‫إنما ينتج ضمن حركة معقدة من إزاحة نصوص‬
    ‫يمثل الذاكرة الإبداعية في عملية التطور الأدبي‪،‬‬
                                                          ‫من مكانها ومحاولة الإحلال محلها‪ ،‬مما يدخل‬
  ‫ولهذا السبب بالذات يبدو قاد ًرا على ضمان وحدة‬          ‫النص الحا َّل في صراع مع النص المزاح‪ ،‬فيحاول‬
                      ‫واستمرارية هذا التطور(‪.)23‬‬      ‫إبعاده وإزاحته‪ ،‬لكنه لا يستطيع نفيه كلية؛ بل يظل‬
                                                      ‫مترسبًا في كيانه وفي أجنته وفي شتى طبقاته سواء‬
   ‫إن أية رواية تخضع ابتدا ًء إلى (معمارية نصية)‬        ‫وعى النص ذلك أم لم يعه(‪ .)19‬وربما تلخص فكرة‬
     ‫تحكمها (شك ًل)‪ ،‬بفعل خضوعها إلى جملة من‬              ‫(الشبيه‪ -‬المختلف) التي ذكرها الغذامي العلاقة‬
      ‫القواعد السردية الشائعة في الرواية التقليدية‬       ‫الحوارية بين النصوص إذ يعيد الأديب “اللاحق‬
      ‫والرواية التجريبية المعاصرة‪ ،‬كما نطالعها في‬       ‫صياغة سالفه‪ ،‬ويعيد إبداعه‪ ،‬ويقدم لنا رؤية [‪]..‬‬

 ‫روايات الحداثة وما بعدها‪ .‬إذ يتم توظيف مختلف‬
    ‫التقانات السردية ومنها‪ :‬الراوي‪ ،‬الموقع‪ ،‬وجهة‬
   ‫النظر‪ ،‬الزمن‪ ،‬السرد بين التناوب والتتابع‪ ،‬الميتا‬

  ‫سرد‪ ..‬هلم ج َّرا‪ ،‬وتحكمها‪ ،‬أي ًضا‪( ،‬مضمو ًنا) من‬
   41   42   43   44   45   46   47   48   49   50   51