Page 40 - m
P. 40

‫العـدد ‪55‬‬   ‫‪38‬‬

                                                    ‫يوليو ‪٢٠٢3‬‬

  ‫واقعية لا تكتفي بالآني‪ ،‬لكنها تراوح بين الماضي‬       ‫يتم تحول مفاجئ ومدهش في الخطاب السردى‪،‬‬
   ‫السحيق‪ ،‬وتحاول استشراف المستقبل‪ ،‬وتكشف‬            ‫حينما يعلن الفتى ضرغام أمام والده رفض القهر‪،‬‬
  ‫غوامض الذات الانسانية‪ ،‬فمن البشر من هم أشر‬
                                                          ‫والإذلال‪ ،‬وأن يظل عب ًدا لسادة القرية‪ ،‬ويعلن‬
                                  ‫من الشياطين!‬           ‫خروجه إلى عالم آخر‪ ،‬يكون فيه مال ًكا لحريته‬
 ‫هل يعبر الكاتب عن معاناة الإنسان المهدد وجوده‬          ‫أو ًل‪ ،‬ولأرضه الزراعية ثانيًا‪ ،‬هذا الحلم تتحداه‬
‫عبر تلك القوى الخفية التى ناصبته العداء منذ بداية‬        ‫أرض الشياطين‪ ،‬أرض وقع عليها فيما مضى‬
                                                      ‫معارك بين قبائل من بني البشر‪ ،‬وأخرى من بني‬
                                       ‫الخليقة؟‬     ‫إبليس‪ ،‬ستبقى شجرة يسكنها الشياطين رم ًزا لهذه‬
   ‫إنها رحلة الشر بين البشر‪ ،‬حيث تكشف الرحلة‬           ‫الحكايات‪ .‬بدت حقيقية‪ ،‬واقعية‪ ،‬صارت الشجرة‬
                                                        ‫‪-‬في نظر البشر‪ -‬ملعونة‪ ،‬علامة عملاقة غريبة‬
         ‫نقاط ضعفهم‪ ،‬ومكامن الشر في نفوسهم‪.‬‬            ‫الشكل‪ ،‬تبعث الذعر والقلق في نفوس من يرونها‬
‫هل يرى الكاتب أن الانسان هو المعتدي على العوالم‬
‫الأخرى من الكائنات‪ ،‬سواء الظاهرة أو الخفية‪ ،‬هل‬                                            ‫(ص‪.)20‬‬
                                                     ‫أزال الشياطين أشجار البشر‪ ،‬لم يتركوا إلا شجرة‬
  ‫يقف مع عالم ضرعام أو عالم زلنبح؟ أي العالمين‬
            ‫سينجح فار ًضا وجوده في هذا العالم؟‬         ‫رم ًزا لواقعة الانتصار على البشر‪ ،‬جعلوا الأرض‬
                                                    ‫حمراء رملية جرداء‪ ،‬ونتذكر أن الإله ست كان رم ًزا‬
   ‫قال الحكيم أبو الفصاد‪ ،‬وهو يتقافز وينظر إلى‬
‫السماء أي ًضا «يا رب كما ترى البشر نسفوا فرحتنا‬                                   ‫للصحراء الجرداء‪.‬‬
                                                       ‫يصور حجاج أدول عالمًا متكام ًل من الشياطين‪،‬‬
   ‫بعيد ألعابنا الربيعية‪ ،‬هل نحن من بدأنا بإشعال‬     ‫فهم خمس قبائل‪ :‬قبائل حجلة الغراب‪ ،‬وقبيلة أبي‬
                         ‫المعارك‪ ،‬آذيناهم مث ًل؟»‪.‬‬      ‫الفصاد‪ ،‬وقبيلة الرعشة يسا ًرا‪ ،‬وقبيلة الرعشة‬
                                                     ‫يمينًا‪ ،‬وقبيلة القرنين‪ ،‬وهي القبيلة التى اشتهر بها‬
 ‫إذا كانت بداية الحكاية مع ضرغام الصبي المتمرد‪،‬‬         ‫الشيطان‪ ،‬وكل فرد منها له قرنان أعلى الجبهة‪،‬‬
‫فإن السرد يستمر مع زلنبح الابن‪ ،‬الفتى الذي ترك‬          ‫وتسكن المستنقعات التى تقع خلف الغابة‪ ،‬وهي‬
                                                        ‫أكثر قبائل الشياطين عد ًدا‪ ،‬وأقواها‪ ،‬وأشرسها‪.‬‬
   ‫الدراسة غير آبه‪ ،‬فلا جدوى منها‪ ،‬اهتم بتكوين‬          ‫على مدار أكثر من ست صفحات أرفدها الكاتب‬
    ‫نفسه‪ ،‬صقل مهاراته‪ ،‬واكتسب مهارات جديدة‪،‬‬             ‫لاستعادة انتصار الشياطين على البشر‪ ،‬واص ًفا‬
  ‫صار شا ًّبا جمي ًل‪ ،‬يجذب أنظار الفتيات‪ ،‬اصطدم‬      ‫حالة البهجة والفرح والسعادة‪ ،‬بينما ‪-‬على الجانب‬
  ‫مع عائلة عبدان الغرباوي لرفضه النظام‪ ،‬أراد أن‬       ‫الآخر‪ -‬يعود ضرغام وصحبه ليخططوا لقريتهم‬
 ‫يكتشف سر ما وراء الباب المغلق‪ ،‬ولماذا هو مغلق‪،‬‬
   ‫عرف من أخته الحكاية‪ ،‬كل هذا تمهي ًدا لرحلاته‬                                          ‫المستقبلية‪.‬‬
‫الشيطانية‪ ،‬بعد أن عرف من أمه الكثير من الأسرار‬          ‫طرف الخيط الدرامي في ظهور «عصفة» زوجة‬
‫وأفعال الشياطين‪ ،‬وأن أحد الشياطين سكن بيتهم‪،‬‬          ‫العمدة ضرغام‪ ،‬بعد أن استقر في أرضه‪ ،‬وتوسع‬
    ‫وأوعز بأن تشنق أخته غالية نفسها‪ ،‬كل هذا لا‬            ‫في استصلاحها‪ ،‬واستقدم من أبناء قريته من‬
                                                      ‫يعينه على إعمارها‪ .‬ويصعد الخط الدرامي إلى تلك‬
                    ‫يمثل له شيئًا أمام بؤس الأم‪.‬‬      ‫العوالم التي تتشكل من الواقع والمتخيل المتسربل‬
      ‫تقترب الرواية من راوي «رحلة ابن فطومة»‬           ‫بالعجائبي والغرائبي‪ ،‬عصفة التي تسكب طاسة‬
   ‫لنجيب محفوظ‪ ،‬حينما شعر بظلم الأقربين إليه‪،‬‬        ‫الزيت المغلي على إحدى حفيدات الشيطان «زلنبح»‪،‬‬
    ‫أمه وخطيبته وشيخه‪ ،‬رحل لعوالم غريبة بحثًا‬         ‫إلا أن زلنبح يقع في حب هذه االمرأة الفاتنة‪ ،‬ويبدأ‬
  ‫عن العدل والمساواة‪ ،‬وإذا كان ابن فطومة يرتحل‬
 ‫إلى الممالك العبيدة عبر الصحراء‪ ،‬فإن زلنبح الابن‬         ‫الصراع بين الأنس والجن تارة‪ ،‬وبين الإنس‬
                                                         ‫والإنس تارة أخرى‪ ،‬إنها مباراة بين عوالم من‬
                               ‫يرتحل عبر النهر‪.‬‬
 ‫زلنبح الابن المنشطرة ذاته بين البشر والشياطين‪،‬‬           ‫الفانتازيا والغرائبية‪ ،‬لكنها لا تخلو من دلالة‬

     ‫يكتشف سلوك البشر‪ ،‬أحوالهم‪ ،‬وخفايا ما في‬
‫نفوسهم‪ ،‬هو المتمرد‪ ،‬ينشر الشر بين البشر‪ ،‬سواء‬

     ‫من عرفه أو من لا يعرفه‪ ،‬حتى والده لا يسلم‬
   35   36   37   38   39   40   41   42   43   44   45