Page 52 - m
P. 52
إن لجوء الكاتب إلى صناعة المسوخ
الروائية فضًل عما تضفيه من مسحة
سحرية خيالية تغني العمل وتمارس
فعلها التشويقي على المتلقي ،فإن
"المسخ صورة متخيلة ،نابعة من واقع
معين ،وهذه هي الحقيقة .نعم في
واقعنا الحي لا توجد مسوخ ،ولكن
حين نتغلغل في أعماق الناس ،نجد
الكثير مسو ًخا [بما يتركه الواقع من
فرانز كافكا أثر سيئ في ذواتهم] ..والمجتمع
الرأسمالي ثٌّر ومشهور بهذه المسوخ.
اعتناق لحكاية ما وراء الخرافة وهو ما نستنتجه من مسخ كافكا"
وتأسيس قوانينها على غرار القانون
الواقعي والفنتازي أو الخيالي .وأن مهمة الأديب
الواقعي ،ثم صوغها بذاكرة أدبية تنحصر بقدرته على التقاط واقع هو أبلغ من
تصطنع الأشياء أكثر من استرجاعها ،فهي تبتكر
الأعمال الأدبية لما يتوافر فيه من شتى صنوف
أوصاف عالمها الفعلي؛ لإنتاج واقع مستقل عن الغرابة ،وفي قدرته على إعادة إنتاجه بشكل فني
منظومة مفاهيمنا التي تناظر في ذاكرة المبدع
الوجود المفترض فنتاز ًّيا ،حيث التشكيك بالعالم محكم كما يؤكد ماركيز(.)45
الذي تنتمي إليه الحكاية للوصول إلى الاحتمالات فالكاتب «لا يستنسخ الواقع إنما يخلق واق ًعا خا ًّصا
والآفاق جمي ًعا بغية إعطاء معادل فني لما يحدث في به ،يقوم على مبدأ التوليف بين المتضادات ،لذا نجد
قوانين العالم الحقيقي»(.)47 الفوضى مع النظام ،والاستقرار مع الاضطراب،
أما الملمح الثالث للرواية العربية الجديدة فإنه والأمل مع البؤس ،والنفس الممزقة المعذبة مع
يتجلى بسعي الروائيين إلى تمثيل العالم وفق رؤية صفاء الروح وخلودها ،والمطلق مع النسبي،
سوداوية ومأساوية ،تعرض كابوسية الواقع
وضبابيته ،حيث أجواء اللامعقول والاغتراب والخلود مع الفناء ،فض ًل عن التأكيد على الالتباس،
تحاصر الفرد في مجتمع متفسخ يفتقر إلى منظومة وأثيرية الزمن ،والقلق الميتافيزيقي ،والإحساس
قيمية وأخلاقية ،ويخضع لأنظم ٍة تمارس عليه فعل
الاستلاب بالشكل الذي تمسخ معه صورة الفرد باللايقين ،وانعدام المعايير الثابتة للقيم ،عالم مليء
وهويته ،فيتعايش الفرد مع أزمتين متلازمتين: بالمتناقضات ،يريد الكاتب من خلاله البرهنة على
«إحداهما داخلية -نفسيه فردية -يعيشها ،والثانية فرضية معينة وهو بهذا لا يرسم سحرية للإمتاع
خارجية -اجتماعية وربما سياسية-تنشأ عن عدم فقط ،إنما يريد الإيحاء بفكرة فلسفية ،أو مجموعة
ارتباطه بالآخرين أو برفض الآخرين له أو بعدم أفكار منها العالم الذي نراه مألو ًفا»( .)46فالنص
الانسجام بينهما»( .)48وهي رؤية تلخص كابوسيات الروائي ما بعد الحديث يتحدد «بكونه يتبنى نزعة
مضادة للواقعية المباشرة تتبنين [كذا] على هيئة