Page 59 - m
P. 59
57 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
حاز هذا الموقع أيام المناهج التفسيرية .لقد دام بطائفة أو بطبقة أو بعرق من الأعراق ..إلخ»(.)7
هذا الوضع مدة طويلة ،فسلطة المؤلف لم تزاحمها تشكل الموسوعة إذن فرضية شاملة ،هذه الفرضية
أي سلطة قرو ًنا عديدة .ثم فجأة ،تهيأ النص تتضمن فرضيات صغرى جزئية ،تفعيل أي منها
ليأخذ قصب السبق من المؤلف ،كان التبشير بذلك رهين بما يقترحه النص؛ ذلك أن النص هو الموجه
والضابط لأي تأويل ،فما هو غير مدرج في بنيته لا
منذ فيرديناند دي سوسير الذي درس اللغة في يجوز للمؤول أن يشير إليه .إن النصوص تختلف
ذاتها ولذاتها ،وحمل هذه البشارات تلامذته من
الشكلانيين والبنيويين فطوروها وعمموها على في طبيعتها ،وهذا ما يمنح للتأويل مشروعيته
مختلف النصوص .لكن ،هل ستتوقف المسيرة هنا؟ وللتعدد أحقيته .لكن ،وسط ذلك ،تشترك مختلف
لا بد أن ثورة قادمة في الطريق ،ثورة هادئة بلا
بلاغات رسمية وبلا دفوف أو فرق عسكرية ..عادة النصوص في كونها «تشير»؛ إن هذه الإشارات
ما يحدث ذلك بعي ًدا عن أنظار الناس ،قليلون هم تمثل موجهات تحيد عن القراءة الضالة الهذيانية.
ويرى إيكو أن وظيفة السيميائيات النصية تتمثل في
الذين يلتقطون هذه البوادر فيعرفون أبعادها. القواعد التي يستند إليها مؤول النص .يقول إيكو:
تتحدث سوزان سليمان عن هذه الثورة بطريقة «وتدرس السيميائية النصية القواعد التي يعتمدها
مؤول النص مستن ًدا إلى إشارات موجودة في ذلك
بلاغية واستعارية جميلة ،تلتفت نحو القارئ النص (ولم لا على أساس معرفة سابقة؟) ،لكي يقرر
والجمهور فتقول لهما :أنتما الملكان الآن .لكن على
حجم الخبرة الموسوعية الضرورية لمجابهة ذلك
مهلكما ،فلا شيء بقي خلفكما .يردان عليها :لن النص ،مما يحدد الفرق بين التأويل والاستعمال
نزيح النص من عليائه ،ولا المؤلف من برجه ،وإنما
سنقيم حوا ًرا معهما ،علَّنا ننتج أث ًرا خال ًدا .هكذا كان الاعتباطي لذلك النص»(.)8
الحديث ،وللحديث بقية. القارئ :من الإهمال إلى رد الاعتبار:
يتناول كتاب «القارئ في النص» عدة قضايا تتعلق
بدور هذا العنصر في السيرورة الأدبية والإبداعية، يكتب المؤلف نصه من أجل القارئ ،يضعه دائ ًما
في الحسبان ،هو يعلم أن لا حياة لما خطته يداه إلا
تتابع بعض المقالات كيفية صعود هذا المكون إلى
المنصة فصار بطل المسرحية بعد أن كان ممث ًل إذا أتى قارئ ما لينفخ الروح في جسد المكتوب،
هذا أمر يؤمن به كل كاتب ،بل ويؤمن به كل ناقد.
هامشيًّا: ومع ذلك كان هناك تعنت طوال تاريخ النقد الأدبي
«طوال السنوات القليلة المنصرمة ،كنا نشهد مثل
هذا التغير في حقل النظرية الأدبية والنقد .ولقد في الاعتراف بهذه المكانة وهذه المزية التي يلعبها
تبوأت كلمتا القارئ ،readerوالجمهور audience القارئ في منظومة إنتاج الأثر الفني .لقد كان الظهر
مكانة لامعة بعد أن انحدرتا ذات يوم ( .)..اليوم دائ ًما يدار في وجه القارئ ،التفت إليه أرسطو حينًا،
قلما يلتقط المرء مجلة أدبية على أي من جانبي خاصة في بنائه لخطابته ،كما أعاد إليه الاعتبار في
الأطلنطي من دون أن يجد مقالات (وفي الغالب عد ًدا نظريته التطهيرية ،لكن تعس ًفا كبي ًرا مورس في حقه
خا ًّصا من المجلة) مكرسة لنشاط القراءة ،ودور قرو ًنا عديدة.
الشعور ومتغيرية الاستجابة الفردية ،والمواجهة وسط هذا الوضع لم يكن ميدان النقد ليبقى فار ًغا،
والتعامل والاستنطاق بين النصوص والقراء، لقد أدار المهتمون بهذا الميدان عيونهم وعقولهم
وطبيعة التأويل وحدوده :وهذه المسائل تعتمد نحو مبدع النص ،جعلوه مل ًكا يحكم كيف يشاء،
صياغتها على وعي جديد بالجمهور بوصفه كيا ًنا لا يرجع إليه في كل الأمور ،ويستعان به في فهم ما
هو مكتوب .لقد ظلَّت حياته وكل أفعاله محطات
انفكاك له عن مفهوم النصوص الفنية»(.)9 تستقصى بالبحث والمتابعة؛ كان ذلك زمن النظرية
إن ما شهده حقل الدراسات النقدية والأدبية هو التاريخية وكذا الاجتماعية والنفسية .وعلى العموم،
تغير في مركز الاهتمام ،إذ غدا القارئ والجمهور
يلعبان دو ًرا مه ًّما لم يكن لهما في السابق ،فصارت