Page 62 - m
P. 62
اللاتحديد هي التي تمكن من التواصل إن طبيعة النص وبنيته معقدتان
مع القارئ؛ بمعنى أنها تحثه على ج ًّدا ،وهذا التعقيد لا يمكن له أن
يكون ذا فائدة إلا إذا وجد قار ًئا يف ِّعل
المشاركة في الإنتاج وفهم قصد العمل
معا»(.)19 بنيته ويح ِّينها .إن مهمة النص
مهمة توجيهية ،فهي التي تجعل
تفاعل القارئ واستجابته خاضعة لقيم
ومعايير .ولهذا ،فإن المعاني تنطلق
من النص ،ولا وجود للكاتب هنا إلا
من خلال أنه خلق عالمه في البدء .إن
اكتمال التجربة رهن بتدخل قارئ يف ُّك
الشفرات التي يتضمنها النص ولو
بشكل جزئي
المفاهيم المؤطرة لجمالية التلقي انتقاد نوعين من التأويل :الأول يستند إلى القارئ
وحده ،يعطيه الحق في أن يلصق بالنص ما شاء وأن
سنعنى هنا إلى توضيح مفاهيم المنظر الأول لهذه يتحدث بكل اعتباطية عن المعاني التي يحملها النص.
النظرية هانس روبيرت ياوس ،والذي ركز على
والتأويل الثاني هو الذي يمنح النص كل السلط،
جوانب عديدة في بنائه لنظريته ،لعل منها التأكيد ويجعله حام ًل لمعنى متعال يجب الرجوع إليه كلما
على الجانب التاريخي في القراءة؛ وهذا ما لم
أردنا أن نتيقن من «صحة تأويلنا» .إن نموذج
يلتفت إليه إيزر .إن النظريتين متكاملتان من حيث التأويل المقترح من لدن إيزر ،عو ًضا عن النموذجين
المنظومة المفاهيمية ،فما تم إغفاله من قبل المنظر
السالفين ،وهو نموذج يؤمن بـ»القصدية» ذاك
الأول لكونسطونس تداركه المنظر الثاني .إننا أمام النموذج الذي يتفاعل فيه القارئ مع النص بناء على
نظرية يكمل جانبها الآخر ،لكننا سنكتفي بإبراز
المفاهيم التي قامت عليها نظرية ياوس. عناصر اللاتحديد التي يسمح بها كل نص والتي
* أفق التوقع: تمنح القارئ القدرة على المشاركة وعلى التواصل مع
لعل من أهم المفاهيم التي استند إليها ياوس مفهوم بنياته:
أفق التوقع والمفاهيم المتولدة منه؛ وهذا المفهوم «يجب أن نتذكر مع ذلك أن النصوص التخييلية
مركزي في نظريته ،أو هو يعادلها؛ إنه يؤكد على تكون موضوعات خاصة بها وأنها لا تنقل شيئًا
الجانب التاريخي من التلقي .ويؤكد روبيرت هولب له وجود سابق .ولهذا السبب فإن النصوص
في كتابه« :نظرية التلقي ،مقدمة نقدية» أن مفهوم التخييلية لا يمكن أن يكون لها نفس التحديد الكامل
أفق التوقع ليس مفهو ًما جدي ًدا في اللحظة التي بدأ الذي يكون للأشياء الحقيقية ،وبالفعل فإن عناصر