Page 67 - m
P. 67
65 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
وتعريفات كثيرة ،يحتكم «ابن خلف» إلى العقل الصناعة جميع ما يرومه من أصولها وفروعها
والمنطق في تبويبها .و»الخط» يدل على المعنى التي ف َّرقها المصنفون في الكتب مودعة فيه ،ويعرف
برسمه ،كما يدل عليه المتكلم بلفظه( .)8وعن «الخط» الطالب جلالة خطرها ،وارتفاع قدرها من بين
يورد المؤلف مفاهيم رائعة لدوره في البيان ،من الصنائع ،ويصرف همته إليها ليتميز َمن انتمى
قبيل ما ورد من نظرية «دي سوسير» اللغوية إليها بالاسم دون الرسم ،وبالزي دون المعنى»(.)2
الحديثة في الطبيعة الإشارية للألفاظ ،خاصة وعليه فالكتاب جامع لأدوات البلاغة وسيلة وغاية
الارتباط بين الدال والمدلول.
للكتابة الفنية .وأسلوب «علي بن خلف» مثال
ويورد «علي بن خلف» نصو ًصا من القرآن الكريم، لهذه البلاغة المقصودة ،مثل قوله في افتتاح «مواد
والحديث الشريف وغيرها برها ًنا على شرف
البيان»:
الكتابة وعلو درجتها ،وأهمية ُكتَّاب الدولة في نظام «فإن العقول أشجار والعلوم ثمرها ،والأفهام
إدارتها. بحار والآداب جوهرها ،والبصائر نجوم وال ِح َكم
نورها»( .)3ويمضي أسلوب «علي بن خلف» مح ِّققا
ولكون «علي بن خلف» كاتبًا ف َّضل الكتابة على «صنعة الكتابة» التي ترددت في تقديمه لهدف
الخطابة والشعر ،ثم جعل الخطابة أفضل من كتابه ،متأسيًا بأسلوب الجاحظ في تقسيم العبارة
وازدواجها ،وما يؤ ِّديه السجع من إمتاع موسيقى
الشعر ،وإن أشاد بفضلهما. في فن النثر ،وما تحققه بلاغة الأسلوب من متعة
ويرى «ابن خلف» أن يكون الكاتب مل ًّما بالعلوم
ذهنية وأدبية.
والفنون والثقافات المختلفة(.)9 وعن علاقة الجديد بالقديم في الأدب يرى «ابن
أما الباب الثاني من كتاب «مواد البيان» ففي خلف» أن للسابقين حق «التشكيل والتركيب»
البلاغة وأقسامها ،وفيه تعريفات كثيرة لها مثل
أنها «العبارة عن الصور القائمة في النفس بمعا ٍن وللاحقين حق «التكميل والترتيب»(.)4
جامعة لتلك الصور؛ محيطة بها ،وألفاظ مطابقة ويجعل كتابه كأنه استدراك على ما فات السابقين
من ضروب البلاغة وفنونها مما يعين الكاتب على
لتلك المعاني ،مساوية لها»(.)10
والإيجاز عماد البلاغة( ،)11وقد روي عن النبي إجادة بيانه.
–ص« -رحم الله عب ًدا أوجز في كلامه ،واقتصر علي وكتاب «مواد البيان» عشرة أبواب ،الأول في حد
حاجته»( .)12كما أن الإطالة في بعض المواضع لها صناعة الكتابة ،والثاني والثالث في البلاغة والرابع
في البديع ،والخامس فيما يخرج الكلام عن أحكام
بلاغتها.
ومن مفاهيم البلاغة عند العرب ،أنها «الإشارة إلى البلاغة ،والسادس في «الطبع» قوا ًما للصناعة
المعني بلمحة تدل عليه ،لأنهم يستحبون أن تكون ونظامها ،والسابع في أوضاع الخط والكتابة،
والثامن في رسوم المكاتبات ،والتاسع في آداب
الألفاظ أقل من المعاني في المقدار والكثرة»(.)13 الصناعة ،والعاشر في آداب السياسة .وانتهى
والبلاغة «إيصال المعني إلى النفس في أحسن الكتاب بالباب الثامن ،دون التاسع والعاشر،
وألحق به المح ِّقق ما ورد منه في «صبح الأعشى»
صورة من اللفظ»(.)14
وتطرد مفاهيم أخرى للبلاغة لأن المؤلف يقصد إلى ولم يرد في المخطوطة.
وفي الباب الأول يرى كمال الصناعة في التطرق
استيفاء الوجوه التي تعين ال ُكتَّاب على تحصيلها من أوائلها إلى أواخرها( ،)5مما يعني التزام النسق
من جودة اللغة ،وتصاريف الأسلوب ،وجمال اللفظ
المنهجي للكتابة الفنية .أما حد الكتابة« :فإنها
والمعنى ،وتلاؤمهما ،وإمتاع الأسلوب وإقناعه، صناعة ترسم صو ًرا دالَّة على الألفاظ»(.)6
ووضوحه وسلاسته ،والاعتدال في استخدام
وبلاغة الكاتب معيار للحكم على فضيلته(.)7
البديع ،وغير ذلك كثير. وتعريفات الكتابة وأقسامها حافلة بمفاهيم
وبلاغة الكتابة تتمثل في نوع منها وصفه «علي
بن خلف» بقوله»« :ضرب فصيح ،جزل سهل،
سافر المطالع ،عذب المشارع ،مطابق للمعاني أصح