Page 68 - m
P. 68

‫لتعلُّق القلب بالابتداء(‪ ،)19‬والمهارة‬                                                                                                                     ‫يختلف "ابن خلف" مع َمن رأى أن‬

‫في ربط النتائج بالمقدمات‪ .‬ولكل‬                                                                                                                            ‫أبا تمام م ِّجدد‪ ،‬وقد سيطرت عليه‬

‫موضوع من موضوعات الكتابة‬                                                                                                                                  ‫فكرة صعوبة موقف اللاحقين إزاء‬
 ‫خصوصيته وأسلوبه وبلاغته‪.‬‬
                                       ‫السابقين الذين لم يتركوا شاردة ولا‬
‫أما الخطبة فلا بد أن تتحلى بالقرآن‬

‫الكريم «فإن خلو الكلام من القرآن‬                                                                                                                          ‫واردة تتيح لمن بعدهم أن يقدموا‬
  ‫يتخون محاسنه وينتقص بهجته‪،‬‬                                                                                                                                  ‫شي ًئا جدي ًدا‪ .‬لكن الأمر لا يكون‬
‫ولذلك كانوا يسمون الخطبة الخالية‬

            ‫من القرآن بتراء»(‪.)20‬‬      ‫كذلك‪ ،‬فقد استمر الإبداع العربي وقد‬
‫ومن براعة الكاتب أن تل ِّمح مقدمة‬         ‫نهل أعلامه من السابقين انطلا ًقا‬
‫كلامه إلى ما يليها من موضوع(‪.)21‬‬

‫والباب الثالث تفريع لأقسام البلاغة‬                                                                                                                        ‫إلى ما يميز شخصيتهم الأدبية‪ .‬وقد‬
 ‫الأصلية التي تناولها الباب الثاني‪.‬‬                                                                                                                       ‫استغرق شطًرا كبيًرا من هذا الباب‬

   ‫ويقف «ابن خلف» علي جماليات‬

‫«المجاز» كقول عنترة في فرسه‪:‬‬                                                                                                                              ‫لإثبات أن بدائع أبي تمام مأخوذة‬
  ‫فازو َّر من وقع القنا بلبانه‬                                                                                                                                                    ‫من سابقيه!‬
  ‫وشكا إل َّي بعبرة وتحمحم‪.‬‬

               ‫إذ «ليس للفرس شكوى ولا‬

‫استعبار‪ ،‬فجعلته الاستعارة شاكيًا‬
    ‫مستعب ًرا»(‪ .)22‬ومن مستحسن‬

‫الإيجاز قوله تعالى «ولكم في القصاص حياة»‪ ،‬لما‬

‫فيه من «حسن النظم‪ ،‬وقلة الحروف‪ ،‬ووضوح‬                                                                                                                     ‫مطابقة‪ ،‬دا ٌّل عليها أقرب دلالة»(‪.)15‬‬

‫والأسلوب الوسط المعتدل هو الأفضل‪ ،‬إذ لا يكون الإبانة»‪ .‬وقوله صلى الله عليه وسلم‪« :‬إنكم‬
‫لتكثرون عند الفزع‪ ،‬وتقلون عند الطمع»(‪.)23‬‬
                                                                                                                                                          ‫من المتقعر الغريب‪ ،‬ولا من العامي المبتذل(‪.)16‬‬
‫والاستعارة في قول امرئ القيس «قيد الأوابد»‬
‫اختصار يغني عن قولنا‪ ،‬مث ًل‪« :‬هذا الفرس لشدة‬                                                                                                              ‫والمقصود بالكتابة الرسائل الديوانية‪ ،‬ولكنها‬

                                                                                                                                                          ‫تصلح بشروطها في هذا الكتاب أن تشمل الكتابة‬
‫النثرية الفنية على إطلاقها‪ ،‬من حيث توخي مراعاة عدوه يتمكن من أخذ الأوابد أشد تمكن‪ ،‬فكأنه‬
‫يقيدها»(‪ .)24‬وللاستعارة أثرها البليغ‪ ،‬يصفه‬
                                                                                                                                                          ‫المقال لمقتضى الحال‪ ،‬وتوظيف الكاتب لمعارفه في‬
‫«ابن خلف» بقوله‪« :‬للاستعارة موقع من البلاغة‬
                                                                                                                                                          ‫صقل إبداعه‪ ،‬ومعرفته بدقائق اللغة واشتقاقاتها‬
‫خطير‪ ،‬وموضع من الإبانة كبير‪ ،‬لأنها إذا ُوفيت‬
  ‫حقها‪ُ ،‬ووضعت حيث يليق بها‪ ،‬أكسبت اللفظ‬                                                                                                                  ‫بحيث يختار المستعمل المشهور لا المهمل المهجور‪،‬‬
                                                                                                                                                            ‫لكي يحظى باستحسان المتلقي له وفق أسلوب‬
 ‫جوهرية تنقله عما كان عليه لو اس ُتعمل علي ما‬                                                                                                                                                   ‫عصره‪.‬‬
‫وضع في اللغة‪ ،‬وزادته وضو ًحا يضوع أريجه‪،‬‬
‫ويسيغ أجيجه»(‪ .)25‬أما التشبيه فبلاغته «الجمع‬                                                                                                              ‫ويرى «ابن خلف» أن معرفة الكاتب للغة أخرى‬
                                                                                                                                                           ‫مفيدة عندما يستخدم مصطلحاتها في صنعته‬
‫بين شيئين بمعني يجمعهما يكسب بيان أحدهما‬
‫ُدو ِن ِه لاَ‬  ‫ِبلَيا َيلْ ْبآسلَُتخَغِجر‪،‬يَفاُبكُهوق» َنول(اَلهل ُهرتمععادِبل‪:‬ىَ‪:‬ش‪«ْ 4‬ي‪َ)ٍ 1‬ءو‪.‬اإَِّلل ِذاَّي َكَن َبا َي ِْدس ُع ِطو ََكن َّف ِْيم ِهن‬                      ‫بأسلوبه العربي الرصين(‪.)17‬‬
‫إلى المَا ِء‬                                                                                                                                                   ‫والبلاغة مواءمة الألفاظ للمعاني‪ ،‬وارتباطهما‬
                                                                                                                                                          ‫كالروح والجسد‪ .‬ولا بد من اختيار الألفاظ البديعة‪،‬‬

                                                                                                                                                                    ‫والتحلي بجماليات الأسلوب دون تصنع‪.‬‬

‫فقد اجتمعا في الحاجة والحسرة على ما يفوت من‬                                                                                                               ‫ومن شروط الكتابة البليغة إجادة مقدماتها(‪،)18‬‬
   63   64   65   66   67   68   69   70   71   72   73