Page 69 - m
P. 69
67 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
التلاؤم ،وهو «ما تناسب تأليفه ،وارتبط بعض درك الطلب»(.)26
أجزائه ببعض ،واتصلت فصوله ،وقرب متناوله، ويرجع «ابن خلف» إلى الجاحظ في مفاهيمه
وعذب لفظه ،ولطف معناه ،وبرع مبتداه ومنتهاه، للبيان( ،)27وأساسه كل شيء كشف قناع المعنى،
فبأي شيء بلغت الإفهام ،وأوضحت المعنى ،فذلك
ووقعت كل كلمة من كلمه في الموضع اللائق هو البيان .ومثال التمكن في البيان قول الرسول
بها»(.)35 صلى الله عليه وسلم من خطبة له« :فليأخذ العبد
من نفسه لنفسه ،ومن دنياه لآخرته ،ومن الشبيبة
وتتجلي هذه البلاغة وغيرها في القرآن الكريم. قبل ال ِك َبر ،ومن الحياة قبل الموت ،والذي نفس
ومن المتلائم قول الشاعر ،مث ًل: محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب ،ولا بعد
ألا يا حمام الأيك إلفك حاضر
وغصنك مياد ففيم تنوح()36 الدنيا دار إلا الجنة أو النار»(.)28
والنظر في الكلام ،شع ًرا ونث ًرا ،عند ابن خلف،
والمثل السائر «من أحسن الطرق دلالة على «تأليفه على وضع الاتساق ،وتساوي الأقسام،
المعنى»( .)37ومنه في الشعر قول النابغة ،مث ًل:
واعتدال الفصول والأجزاء»(.)29
حلف ُت فلم أترك لنفسك ريبة ومن ذلك قول زهير:
وليس وراء الله للمرء مذهب()38
ويفتتح الباب الرابع بمفهوم متفرد للبديع ،يقول وأعلم ما في اليوم والأمس قبله
«ابن خلف»« :إنما سمي البديع بدي ًعا لأن الكلمة ولكنني عن علم ما في غد عم()30
تأتي في الكناية والاستعارة والتشبيه والإرداف واختلف «ابن خلف» مع «الرماني» الذي رأى
والإشارة لشيء لم يوضع له في أصل اللغة فكأنها أن اشتقاق السجع من سجع الحمامة دليل على
ابتدعت لذلك الموضع ،لا لأن المحدثين -كما ظن سقوطه ،فكما أنه «ليس في سجع الحمامة إلا
قوم -ابتدعوه وفازوا بالسبق إليه واخترعوه»(.)39 الأصوات المتشاكلة فكذلك ليس في سجع الكلام إلا
وابن خلف يلمح إلى «ابن المعتز» الذي رأى أن الحروف المتشابكة»( .)31وهذا منا ٍف للقيم الجمالية
البديع سائر في القرآن الكريم والحديث الشريف للسجع؛ دلالية وموسيقية تجلت آياتها في القرآن
والأدب العربي ،وليس مخت ًّصا بالمحدثين الذين
أسرفوا في استخدامه .وهذا صحيح ،ولكن «ابن الكريم.
خلف» يصل البديع بالمجاز من حيث الخروج عن وقد فند «ابن خلف» رأي «الرمانى» جام ًعا بين
أصل اللغة ،وع َّده بدي ًعا من أجل ذلك ،وهو غريب
في بابه ،لأنه لو كان فإنه ينطبق على المجاز عامة، سجع الحمام والسجع في التناسب والتقسيم
وعلى أبواب البلاغة وأقسامها جمي ًعا ،وليس البديع والتعديل وتوازن المقاطع(.)32
فقط. وقد بيَّن «ابن خلف» جماليات السجع مطبو ًعا،
ولكن «ابن خلف» اتفق مع «ابن المعتز» وما ورد واق ًعا في موقعه(.)33
في كتابه «البديع» ،كما اتفق مع التراث البلاغي في
و»الترتيب» من بلاغة الكتابة ،وأحد أسباب البيان،
استحسان البديع إذا جاء غير متصنع. وهو وضع الشيء في حقه ،وفي موقعه ومرتبته،
فالبديع ،إذا جادت به القريحة عف ًوا «أكسبت «وله حظ عظيم في تهذيب المعاني وتنقيحها،
المعني جوه ًرا ناص ًعا ،وكسا اللفظ نو ًرا لام ًعا»(.)40 وتعديل الأقسام وتصحيحها»(.)34
وينتقل «ابن خلف» إلى ما اختاره من أبواب البديع، ويعرض «ابن خلف» لجماليات الجناس والطباق
ومنها براعة الاستهلال ،وحسن الابتداء ،مثل قول من البديع الذي هو قسم من أقسام البلاغة.
ويشفع النظرية بالتطبيق مور ًدا أمثلة من القرآن
النابغة: الكريم والحديث الشريف والشعر والنثر ،متأث ًرا
كليني لهم يا أميمة ناصب بما ورد من بديع «ابن المعتز» خاصة ،والبديع في
وليل أقاسيه بطيء الكواكب()41 البلاغة العربية عامة.
ومن أبواب البديع «التتميم والتكميل» ،وهو «أن وفي بلاغة الكلام يرد فصل في «مواد البيان» عن