Page 114 - m
P. 114

‫العـدد ‪56‬‬                        ‫‪112‬‬

                                                      ‫أغسطس ‪٢٠٢3‬‬

    ‫ديوانها (الاعمال الكاملة) المجلد الثاني‪« :‬في عام‬                    ‫حق في الدنيا» (المقدمة ص‪.)10‬‬
 ‫‪ 1950‬كان أسلوبي الشعري قد تطور تطو ًرا كبي ًرا‬       ‫من محاضرة للشاعرة في جامعة الكويت ألقتها على‬
                                                       ‫الطلبة عام ‪ 1974‬كانت بعنوان سيرة حياتي تقول‬
   ‫ع َّما كان أيام نظمي للمطولة‪ ،‬فأصبحت مواردي‬        ‫عن نفسها‪« :‬كئيبة كآبة ملحوظة في فترة المراهقة»‪،‬‬
 ‫الأدبية أغزر وأسلوبي أكثر صو ًرا وثقافتي أغنى‪.‬‬       ‫وأن هاجس المرض والموت كان يطاردها طوال فترة‬
  ‫فلم أعد راضية عن (مأساة الحياة) ولذلك قررت‬          ‫شبابها‪ ،‬فتصاب بالحمى في عام ‪ ،1945‬فتعتقد أنها‬
                                                      ‫النهاية‪ ،‬ولها قصيدة عنوانها (مأساة الحياة) قالتها‬
   ‫أن أعيد نظمها بأسلوبي الجديد فكانت صورتها‬          ‫وهي في العشرين من عمرها‪ ،‬تتحدث فيها عن الموت‬
                                        ‫الثانية»‪.‬‬
                                                                                 ‫بنزعة تشاؤمية عالية‪.‬‬
   ‫يتخذ التخييل الثاني هنا وسيلة ثانية تقترب من‬           ‫هذه الصورة التي أصرت نازك على تبنيها عبر‬
‫الأدب وتبتعد عن شخصية الشاعرة‪ ،‬فتمرر لنا عبر‬                ‫الشعر وعبر بوحها الخاص عن نفسها والتي‬
‫هذه الملاحظة طريقتها في التطور وفي إعادة نظرتها‬         ‫اطمئن إليها كل من كتب عنها بعد ذلك‪ ،‬هي شكل‬

    ‫للأدب‪ .‬بعد العرض الذي قدمته عن ذاتها تنتقل‬              ‫نفسي لا يتناسب كثي ًرا مع امراة غيرت وجه‬
  ‫نازك لشرح وجهة نظرها في الأدب عامة والشعر‬             ‫الكتابة الشعرية وتصدت للنقد وكانت لها مواقف‬

      ‫خاصة‪ ،‬إلا أن ثمة مسافة واضحة بين الذات‬                ‫عنيدة وقوية في الحياة والأدب‪ ،‬مواقف حادة‬
   ‫المتخيلة في الجانب الشخصي‪ ،‬وهي ذات منكفئة‬           ‫تقترب من القسوة أحيا ًنا في تصنيفاتها‪ ،‬ولعله فخ‬
    ‫متشائمة هدها الحزن وهشاشة المشاعر‪ ،‬وبين‬              ‫المؤلف الأول الذي كان ربما منسج ًما مع المرحلة‬
  ‫تلك الذات الثقافية الحاضرة بكامل وعيها النقدي‪،‬‬        ‫العمرية والمذاهب الأدبية التي كانت سائدة آنذاك‪،‬‬
                                                        ‫لعل مصير عاشقة الليل‪ ،‬تقرر منذ ديوانها الأول‬
     ‫والقادرة على فهم نفسها ووسطها الثقافي عبر‬
‫مجسات فنية وأدبية صقلتها بالمران وحسن التدبر‪.‬‬            ‫بانفصالها عن الحياة إلى عالم آخر‪ ،‬فعند صدور‬
 ‫تتحدث نازك بنبرة توحي لمن يقرأ بأنها قد تمكنت‬        ‫هذا الديوان تساءل الناس عن سر حزنها واكتئابها‪،‬‬

   ‫من أدبها وأمسكت بأطراف حساسيتها الشعرية‬             ‫وحار النقاد جوا ًبا بعد توالي المجموعاتها الشعرية‬
      ‫بقدرة محترف‪ ،‬ولعل مرد مثل هذا النوع من‬                              ‫(مقالات في الشعر‪ ،‬ص‪.)102‬‬

 ‫الأسلوب النقدي المتزن إلى تلك الحياة الرخية التي‬      ‫تؤكد نازك أن مطولة مأساة الحياة كانت‪« :‬صورة‬
  ‫عاشتها نازك‪ ،‬فهي لم تتعرض فيها إلى الجوع أو‬              ‫واضحة من اتجاهات الرومانسية التي غلبتني‬
 ‫السجن أو التشرد على عكس ما تعرض له السياب‬                ‫في سن العشرين وما تلتها من سنوات‪ ،‬وكانت‬
                                                            ‫مشاعري إذ ذاك التشاؤم والخوف» (المقدمة‬
      ‫ومعظم الأدباء من أقرانه‪( .‬مقالات في الشعر‪،‬‬                                              ‫ص‪.)11‬‬
                                       ‫ص‪)100‬‬
                                                       ‫تصريح واضح لنوع المشاعر التي تملكت الشاعرة‬
  ‫تقول وهي تتحدث عن مطولتها‪« :‬فلم أعد راضية‬                                             ‫في عمر معين‪.‬‬
   ‫عن (مأساة الحياة)‪ ،‬وهذا يعني التطور والنضج‬
‫الفني وتحدي الذات»‪ ،‬وتكمل «ولذلك قررت أن أعيد‬                      ‫تخييل الهوية الأدبية‬
    ‫نظمها بأسلوبي الجديد فكانت صورتها الثانية‪،‬‬
 ‫وعندما مضيت في نظمها لاحظت أنها ‪-‬رغم وحدة‬                 ‫وهي محاولة البحث عن سمات معينة لتحديد‬
‫الموضوع‪ -‬قد أصبحت قصيدة ثانية تختلف في كل‬                 ‫الهوية الأدبية عبر تخييل ذاتي يمارس سطوة‬
   ‫لفظة منها»‪ .‬تشرح تفاصيل التغيير الذي أصاب‬           ‫الإقناع للجمهور‪ ،‬فهناك ذات أدبية مجددة وثانية‬
                                                         ‫كلاسيكية متمردة وأخرى خاضعة منضبطة أو‬
      ‫هذه القصيدة الطويلة وأسبابه وتربطه بتغير‬         ‫فوضوية‪ ،‬وهكذا يمكن أي ًضا البحث عن شكل هذه‬
            ‫شخصيتها وطريقة إقبالها على الحياة‪.‬‬        ‫الذات عبر التحديد الذي وضعته الشاعرة في مقدمة‬

‫تكمل بعد ذلك في قولها‪« :‬ولكني ما كدت أمضي في‬
 ‫صفحات حتى بدأت التغييرات تتسع وتشمل كثي ًرا‬

   ‫من الأبيات‪ ،‬وبعد يومين وجدتني أغير القصيدة‬
   ‫القديمة تغيي ًرا كام ًل دون أن أستبقي من المطولة‬
   109   110   111   112   113   114   115   116   117   118   119