Page 119 - m
P. 119

‫‪117‬‬                   ‫تجديد الخطاب‬

‫شاه ولي الله الدهلوي‬  ‫محمد بن عبد الوهاب‬  ‫أحمد شاه دراني‬                     ‫فكرة الأصل‪ ،‬فمكانتك في الدولة‬
                                                                                ‫الإمبراطورية تتحدد بأصلك‪،‬‬
 ‫على طريقة الفقهاء الكلاسيكيين‪.‬‬             ‫لفرض سلطانها على الناس عبر‬
     ‫الأمر الذي حصر الفقه عند‬                  ‫القضاء والقضاة الذين تنفق‬      ‫ونسل ونسب والديك وجدودك‬
       ‫المسلمين في تناول أحوال‬                 ‫عليهما السلطة‪ ،‬فيما أسموه‬     ‫وليس بعملك‪ .‬مما صبغ المدونات‬

‫الإنسان كفرد في علاقته بالله وفي‬            ‫الحكم بالشريعة‪ ،‬ففي عقوباتها‬        ‫الفقهية التراثية عند المسلمين‬
  ‫علاقته بفرد آخر‪ .‬وليس علاقة‬                   ‫من حدود ونتيجة للشروط‬                       ‫بعدة خصائص‪.‬‬
  ‫الفرد بالكيانات مثل مؤسسات‬                    ‫الدقيقة التي صاغها الفقهاء‬
 ‫السلطة أو مؤسسات الإدارة‪ ،‬أو‬                                                 ‫نتيجة للطبيعة التي تكونت فيها‬
  ‫مؤسسات النفع العام باستثناء‬               ‫التراثيون لإثبات الجرم‪ .‬شروط‬     ‫المذاهب الفقهية‪ ،‬وكونها مدارس‬
     ‫منظومة الأوقاف‪ .‬وكذلك لم‬                   ‫نظرية جعلت من المستحيل‬       ‫فكرية حرة في بداياتها‪ ،‬فلم تكن‬
                                                                              ‫سوى مجرد آراء ووجهات نظر‬
‫يتناول الفقه العلاقة بين الكيانات‬            ‫‪-‬تقريبًا‪ -‬إقامة عقوبة حد من‬
      ‫وبعضها البعض‪ .‬مما جعل‬               ‫الحدود‪ ،‬فكانت الحاجة إلى وسائل‬         ‫لأفراد يتجمعون في مكان ما‬
                                                                                ‫في حلقة فكرية‪ ،‬ويتدارسون‪،‬‬
  ‫منظومات الفقه محصورة فيما‬                    ‫أخرى غير ما ش َّرعه الفقهاء‬    ‫ولكون السلطوية للسلطات التي‬
    ‫هو جزئي وفردي‪ ،‬وهو القيد‬              ‫لضبط السلوك في المجتمع‪ ،‬فكانت‬     ‫تكونت في امبراطوريات المسلمين‬
     ‫الذي ما زالت الرؤية الفقهية‬           ‫«السياسة الشرعية» وهي تدابير‬       ‫مثل غيرهم من الإمبراطوريات‪،‬‬
 ‫المعاصرة للعالم مسجونة داخله‪،‬‬            ‫يتخذها الحاكم لضبط السلوك في‬         ‫أن أصبح الفقه جزئيًّا‪ ،‬والجزء‬
 ‫رغم كل المحاولات خلال القرون‬                                                ‫الأكبر منه هو تناول العلاقة بين‬
  ‫الثلاثة الماضية للخروج من هذا‬                                  ‫المجتمع‪.‬‬      ‫الفرد والله‪ ،‬من خلال العبادات‬
   ‫الأسر عبر مفاهيم المصالح أو‬                  ‫وما ُكتب في هذا المجال من‬        ‫من (إيمان وطهارة ووضوء‬
 ‫مفاهيم المقاصد أو مفاهيم الأخذ‬           ‫مؤلفات مثل «الأحكام السلطانية»‬       ‫وصلاة وصوم وحج وزكاة‪..‬‬
                                          ‫للماوردي (‪/1058 -364 /964‬‬           ‫إلخ) وهذا الجانب من الفقه هو‬
                ‫من كل المذاهب‪.‬‬             ‫‪ )450‬هو أقرب لتصوير الواقع‪،‬‬           ‫أضخم أجزائه‪ ،‬حيث فرصة‬
                                               ‫وتصوير ما يحدث من كونه‬       ‫تصادم المذهب مع السلطة في فقه‬
                                          ‫تأصيل فقهي ومعرفي للأمر حتى‬          ‫العبادات قليلة‪ .‬ثم يتناول الفقه‬
                                                                             ‫العلاقة بين فرد وفرد من خلال‬
                                                                             ‫فقه المعاملات من «بيوع وإجارة‬
                                                                                ‫وزواج وطلاق وميراث‪ ..‬الخ)‬
                                                                              ‫وهو أقل من فقه العبادات‪ .‬لكن‬
                                                                              ‫جوانب العلاقة بين الفرد وبين‬
                                                                            ‫السلطة‪ ،‬أو العلاقة بين الفرد وكل‬
                                                                               ‫ما هو عام من مؤسسات حكم‬
                                                                               ‫وإدارة‪ ،‬أو العلاقة بين السلطة‬
                                                                             ‫وغيرها من السلطات في المجتمع‪،‬‬
                                                                              ‫أو بين الدول وبعضها البعض‪،‬‬
                                                                              ‫كل هذه جوانب لا تكاد ُترى في‬
                                                                                ‫المذاهب الفقهية عند المسلمين‪.‬‬
                                                                                 ‫وحتى عندما لم تك ِف قواعد‬
                                                                               ‫وضوابط السلوك التي صاغها‬
                                                                               ‫الفقهاء واستخدمتها السلطات‬
   114   115   116   117   118   119   120   121   122   123   124