Page 123 - m
P. 123

‫‪121‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

 ‫الجوزية‪ .‬أو عبر التراث الصوفي‬       ‫‪ )1859‬في مناطق شمال أفريقيا‪،‬‬      ‫وسيطرتها على كامل نجد وكامل‬
    ‫كما في السنوسية وفي المهدية‬         ‫ومحمد أحمد المهدي (‪-1843‬‬       ‫الحجاز عام ‪1932‬م‪ ،‬ومحاصرة‬
            ‫باستدعاء ابن عربي‪.‬‬         ‫‪ )1885‬فى السودان على أسس‬       ‫كل وجود صوفي أو مذهبي فقهي‬
     ‫لكن الخيطين الواصلين بين‬
                                      ‫صوفية‪ ،‬في القرن التاسع عشر‪.‬‬         ‫‪-‬تقريبًا‪ -‬غير المذهب الحنبلي‪،‬‬
‫الجميع هو اعتماد الحركية‪ ،‬حيث‬        ‫فلب الجهود هو مقاومة التعصب‬           ‫حتى أن المذهب المالكي الذي‬
   ‫العمل والفعل ُمقدم على النظر‪،‬‬     ‫المذهبي الفقهي‪ ،‬ومواجهة التفكك‬
                                                                       ‫يسمى مذهب أهل المدينة‪ ،‬لم يعد‬
  ‫في مواجهة التفكك الداخلي أو في‬        ‫والتناحر بين الحكام والأمراء‬       ‫له وجود في المدينة بل بعض‬
  ‫مواجهة الخطر الخارجي‪ ،‬أو في‬       ‫المسلمين‪ ،‬أو مقاومة التمدد وغزو‬
  ‫مواجهة التغيرات التي يشهدها‬                                          ‫جيوب فقط في الأحساء‪ .‬وتكميم‬
   ‫المجتمع والتي ُتص َّور على أنها‬       ‫النفوذ الغربي‪ ،‬بالسعي نحو‬        ‫الوجود الشيعي في المملكة في‬
‫بدع‪ ،‬عبر العودة إلى إسلام أصلي‪،‬‬        ‫الوحدة‪ ،‬والسعي نحو الخروج‬         ‫المنطقة الشرقية‪ .‬وحين سيطر‬
 ‫مع اختلاف كل منهم على ما هو‬                                             ‫آل سعود على مكة والمدينة‪ ،‬تم‬
                                         ‫من التقليد المذهبي المتعصب‪.‬‬
            ‫هذا الإسلام الأصلي‪.‬‬         ‫فأخذ الأمر شكل التوفيق بين‬    ‫جعل ممارسة الشعائر في المسجد‬
       ‫الخيط الثاني الواصل بين‬           ‫المذاهب بالاعتماد على مفهوم‬  ‫الحرام أو مسجد المدينة أو شعائر‬
    ‫جهودهم هو محاولة مواجهة‬         ‫المصلحة ومفهوم الحكمة الشرعية‬     ‫الحج‪ ،‬على المذهب الحنبلي‪ ،‬كمذهب‬
   ‫الرؤية الفقهية للعالم وقوالبها‬      ‫عند أحمد ولي الله الدهلوي في‬
   ‫المذهبية الجامدة التي تكلست‪،‬‬       ‫الهند‪ ،‬وربط بين العودة للقرآن‬      ‫للسلطة‪ ،‬ومصادرة الممارسات‬
  ‫بمحاولة العودة للمصادر ذاتها‬       ‫والسنة في إطار صوفي‪ .‬فقد أخذ‬       ‫الأخرى حسب المذاهب الأخرى‬
    ‫والتي تم صياغتها في الكتاب‬         ‫الأمر شكل التخلص من كل ما‬         ‫في سبيل الوحدة والاتحاد على‬
 ‫والسنة‪ ،‬وليس من خلال إمام أو‬           ‫دخل على تعاليم المسلمين من‬     ‫كلمة واحدة هي كلمة «الموحدين»‬
   ‫مذهب فقهي وقواعده الفكرية‪.‬‬                                            ‫أو «المحمديين» كما أطلقوا على‬
   ‫مما جعل الرؤية الفقهية للعالم‬          ‫حياة الحواضر وحياة المدن‬
‫تعاني من سرعة وكثرة التغيرات‬         ‫والعودة إلى نسخة فيها من حياة‬                           ‫أنفسهم‪.‬‬
 ‫التي تشهدها مجتمعات المسلمين‬                                          ‫ولو تركنا الهند أو نجد في القرن‬
      ‫مع تحديات الحداثة والغزو‬          ‫البداوة وفيها من النصوصية‬
 ‫الأوروبي‪ .‬وكذلك‬                    ‫الكثير باسم التوحيد الخالص مع‬           ‫الثامن عشر‪ ،‬وتأملنا جهود‬
   ‫ضعف وجمود‬                         ‫محمد بن عبد الوهاب‪ ،‬وباختيار‬        ‫الشوكاني (‪ )1839 -1759‬في‬
    ‫المذاهب خلال‬                    ‫اتجاه وفرضه بالقوة على الجميع‪،‬‬
  ‫القرون السابقة‬                                                           ‫اليمن‪ ،‬أو أبو الثناء الألوسي‬
    ‫مما حولها إلى‬                       ‫واستدعاء ابن تيمية وابن قيم‬      ‫(‪ )1854 -1803‬في العراق‪ .‬أو‬
    ‫قلاع مهجورة‬                                                       ‫محمد بن علي السنوسي (‪-1787‬‬
    ‫تقريبًا‪ .‬فكيف‬
   ‫سيتعامل معها‬
      ‫المسلمون في‬
     ‫نهايات القرن‬
 ‫التاسع عشر وفي‬
  ‫القرن العشرين؟‬
   118   119   120   121   122   123   124   125   126   127   128