Page 128 - m
P. 128
رومانثية ،ذلك اللون هو ما يسمى كما كان الإسلام لا يعيش وحده
بالشعر الشعبي الذي يتفرع إلى في قلب شبه الجزيرة الأندلسية،
فرعين هما الموشحات والأزجال. كانت اللغة العربية كذلك لا تحيا
على انه يجب أن نقرر أن العربية وحدها على لسان تلك البلاد .فلقد
الفصحى كانت دائ ًما في المحل ثبت أن الفصحى -وإن كانت اللغة
الأول؛ فكانت لغة العلم والأدب العلمية والأدبية والرسمية -قد عاشت
العالمي ،كما كانت لغة الرسميات إلى جانبها اللغة العامية كوسيلة
وكل ما هو جاد من أمور الدولة. للحديث العادي .وهذا أمر طبيعي
أما العامية العربية فكانت تلي تؤيده الظواهر اللغوية في كل لغة
تلك الفصحى في المنزلة؛ وذلك وفي كل قطر تقري ًبا ،حتى لا نحتاج
لاستنادها إلى الفصحى وتفرعها معه إلى أدلة خاصة تؤيد حياة هذه
عنها وقربها منها .وأما تلك
العامية اللاتينية Romance العامية الأندلسية.
فكانت في المحل الأخير بطبيعة
الحال ،وكانت تحيا أسا ًسا بين عبد الرحمن بالخير وحسن
المستعربين ،باعتبارها لغتهم الأوسط ،حين رفعت إليه عبارة المذهب ،فأرسل إليه الوزراء
الأصلية ،أما غيرهم فكانوا الرجل فأعجب من دقتها ،واعتبر وسألوه عن القاضي ،فقال
يعرفونها من معايشتهم لهؤلاء أن مصدر هذه الدقة هو الصدق. بالعجمية «ما أعرفه ،إلا أني
أو من كون بعض أصولهم أو سمعت الناس يقولون :إنه إنسان
أقربائهم من الإسبان المتحدثين فتخصيص ابن حزم لبني بلى سوء (وصغر باللفظ العجمي).
بتلك اللغة .ومن هنا كان حديث بهذه الميزة اللغوية -ميزة عدم فلما رفع قوله إلى الامير -رحمه
غير المستعربين بتلك اللغة إنما إحسان الكلام باللطينية -يفيد الله -عجب من لفظه ،وقال :ما
يكون مث ًل بين الرجل وامرأته أن غير هؤلاء من الأندلسيين أخرج مثل هذه الكلمة من هذا
التي هي إسبانية الأصل ،أو بين كان يحسن الكلام بها ،أو أن الرجل الصالح إلا الصدق».
المراة الإسبانية وبنيها من رجل كثيرين غير هؤلاء كانوا يتحدثون وواضح أن ما حكاه الخشني
بتلك اللغة التي سماها باللطينية، يدل على أن من أهل الأندلس من
عربي ،أو بين مسلم ومستعرب لا فأصبح عدم إحسان بني بلى لها كان كهذا الشيخ يتحدث بتلك
يجيد العربية. اللغة العجمية أو (الرومانثي)
ميزة تستحق التنويه. كما تسمى .وواضح كذلك أن
-2الديانات في الأندلس ثم لماذا نتصيد الأدلة على وجود من كبار رجال الدولة من كان
عامية عربية وعامية لاتينية إلى يفهم تلك اللغة أي ًضا .كما فهم
انتشر الإسلام بسرعة فائقة هؤلاء الوزراء حين سمعوا
بين سكان شبه الجزيرة ،ولعل جانب الفصحى في الأندلس؟ شهادة الشيخ ،بل كما فهم الأمير
من أهم أسباب ذلك أن الأرقاء إن في تراث الأندلسيين لو ًنا من
الذين كانوا يرزحون تحت نير الشعر ،في كثير من نماذجه قد
الأشراف في العهد القوطي قد استخدمت ألفاظ عامية وأخرى
وجدوا في الإسلام طريقهم إلى
الحرية ،فأقبلوا عليه ليفك أغلالهم
ويعيد كرامتهم ،على أن الأرقاء
لم يكونوا وحدهم الذين أعتنقوا