Page 129 - m
P. 129

‫‪127‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

 ‫الحكومة الأندلسية درجة تحمل‬         ‫المساجد والكنائس في سماحة‪،‬‬      ‫الإسلام في سرعة من بين أبناء‬
   ‫على الإعجاب‪ ،‬فقد كان الأكفاء‬      ‫واختلطت نداءات المآذن بدقات‬      ‫شبه الجزيرة‪ ،‬فقد شاركهم في‬
      ‫منهم موضع إجلال الحكام‬                                        ‫هذا الإقبال على الإسلام كثير من‬
     ‫ومحل ثقة الأمراء والخلفاء‪،‬‬        ‫الأجراس في محبة‪ ،‬وتعايش‬      ‫الأحرار‪ ،‬أعجب بعضهم بالإسلام‬
  ‫كما كانت لهم في أغلب الأحيان‬    ‫المسلمون والمسيحيون في الأندلس‬    ‫والمسلمين‪ ،‬وأحب بعضهم الآخر‬

 ‫مناصبهم الكبيرة التي ترشحهم‬                           ‫على أخوة‪.‬‬          ‫أن يحافظ على الارض التي‬
‫لها كفاءتهم دون عائق من دينهم‬       ‫وقد بهرت الحضارة الإسلامية‬         ‫تحت يده‪ ،‬أو أن يخلِّص نفسه‬
  ‫المخالف لدين الدولة‪ .‬ومن أمثلة‬                                        ‫من عبء الجزية‪ ،‬أو أن يرفع‬
                                      ‫هؤلاء المسيحيين الذين كانوا‬   ‫مكانته الاجتماعية بالانضمام إلى‬
  ‫من تمتعوا بالجاه والمنصب من‬       ‫يعايشون المسلمين في الأندلس‪،‬‬     ‫الممتازين أصحاب الدين الجديد‬
  ‫المسيحيين (أرطباس) الذي كان‬       ‫فاخذوا من هذه الحضارة ومن‬
                                    ‫أصحابها الشيء الكثير‪ ،‬فقلدوا‬                 ‫وأولي الأمر أي ًضا‪.‬‬
   ‫محل ثقة بعض ولاة الأندلس‪،‬‬                                           ‫ولذا لم يلبث الإسلام أن ن َّحى‬
 ‫حتى كانوا يستشيرونه في أمور‬            ‫المسلمين في لغتهم وتعلموا‬      ‫النصرانية عن عرشها في شبه‬
  ‫البلاد‪ ،‬والذي كان أي ًضا موضع‬        ‫ثقافتهم‪ ،‬بل لبسوا ملابسهم‬
‫تكريم الأمير عبد الرحمن الداخل‪،‬‬                                           ‫الجزيرة‪ ،‬وصارت الغالبية‬
                                          ‫وعاشوا إلى حد كبير على‬     ‫العظمى من أهل البلاد مسلمين‪،‬‬
    ‫حتى رد عليه عشرين ضيعة‬            ‫نمط حضارتهم‪ ،‬ولذلك سموا‬         ‫وصاروا يسمون بالمسالمة‪ ،‬كما‬
‫وولاه القماسة‪ ،‬فكان أول قومس‬                                         ‫صار أبناؤهم يسمون بالمولدين‪.‬‬
                                        ‫بالمستعربين ‪.Mozarabes‬‬       ‫وإنما قلنا‪ :‬الغالبية العظمى؛ لأن‬
      ‫بالأندلس‪ .‬ومن أمثلة هؤلاء‬     ‫ولم يكن هؤلاء المستعربون هم‬
 ‫المسيحيين كذلك (حيزون) الذي‬      ‫وحدهم الذين يعايشون المسلمين‬          ‫المسلمين لم يكونوا يعيشون‬
                                     ‫من أصحاب الديانات الأخرى‪،‬‬        ‫وحدهم في هذا المجتمع الكبير‪،‬‬
    ‫كان قاضيًا للنصارى بقرطبة‬
 ‫في أيام الحكم المستنصر‪ ،‬والذي‬        ‫فقد كانت إلى جانبهم جاليات‬         ‫بل كانت تشاركهم أقلية من‬
                                  ‫يهودية وجدت من المسلمين كثي ًرا‬       ‫المسيحيين‪ ،‬وكانت تلك أقلية‬
   ‫كانت تسند إليه مهمة الترجمة‬     ‫من التسامح وحسن المعاملة بعد‬      ‫كبيرة إن صح هذا التعبير‪ ،‬وقد‬
   ‫بين الخليفة وكبار الإسبان في‬                                      ‫ترك المسلمون لهؤلاء المسيحيين‬
                                      ‫ان وجدت في فتحهم لإسبانيا‬      ‫حريتهم في البقاء على دينهم وفي‬
                 ‫بعض الاحيان‪.‬‬     ‫منق ًذا من الجور الذي كان اليهود‬      ‫مزاولة شعائرهم‪ ،‬فتجاورت‬
     ‫ومن أمثلة من تمتعوا بالجاه‬     ‫يرزحون تحت نيره أيام القوط‪.‬‬
‫والمنصب من اليهود (حسداى بن‬
  ‫شبروط) الطبيب الذي كان من‬           ‫وقد بلغ تسامح المسلمين مع‬
 ‫كبار رجال الخليفة الناصر‪ ،‬كما‬           ‫المسيحيين واليهود في ظل‬
‫كان من ذوي النفوذ الواضح لدى‬
‫المستنصر‪ .‬ومنهم كذلك (صمويل‬
    ‫بن النغرلة) الأديب الذي كان‬
   ‫وزي ًرا لباديس ملك غرناطة في‬

                  ‫عهد الطوائف‪.‬‬
    ‫وإذا أستثنينا بعض الحوادث‬

        ‫القليلة يمكن أن يقال‪ :‬إن‬
     ‫تلك الأقليات غير المسلمة لم‬
    ‫تضطهد من المسلمين إلا حين‬
  ‫سيطر الأفريقيون من مرابطين‬

         ‫وموحدين على الأندلس‬
   124   125   126   127   128   129   130   131   132   133   134