Page 120 - m
P. 120

‫العـدد ‪56‬‬                               ‫‪118‬‬

                                   ‫أغسطس ‪٢٠٢3‬‬                         ‫السمة الثانية للرؤية‬
                                                                         ‫الفقهية للعالم‬
  ‫الفقهية في تشكلها وفي بداياتها‪.‬‬       ‫الواحد له معاني متعددة على‬
  ‫الأمر الذي اختلف حينما دخلت‬      ‫حسب نية كل فاعل للفعل‪ ،‬وتبقى‬          ‫رؤية ل ُّبها قائمة على التمييز؛‬
‫السلطة كطرف في الأمر وأصبحت‬                                               ‫سواء لتكونها في ظل الدولة‬
                                     ‫عملية تحديد النية أمر شخصي‬      ‫الإمبراطورية القائمة على التمييز‪،‬‬
    ‫تتبنى مذهبًا معينًا أو مدرسة‬         ‫فردي‪ ،‬وهذا مفهوم في ظل‬        ‫أو عبر عناصر القبلية وقيمها‪،‬‬
     ‫معينة‪ ،‬بتعيين أفرادها لشغل‬                                           ‫التي انبنت عليها الممارسات‬
   ‫وظيفة القضاء‪ ،‬فأصبح المذهب‬      ‫منظومة من الأفكار غير قائمة على‬         ‫الفقهية عند المسلمين وعبر‬
                                   ‫الفرض بالقوة‪ ،‬منظومة قائمة على‬        ‫تاريخهم وما زالت‪ .‬فالمذهب‬
       ‫منظومة سلطوية تفرضها‬        ‫تبني الأفراد لها بإرادتهم‪ ،‬وبمدى‬
     ‫السلطة بقوة السيف وإغراء‬      ‫اقتناعهم بها‪ ،‬كما كانت المنظومات‬          ‫الفقهي يجتهد في تحديد‬
 ‫المال‪ ،‬فاستمرت مدارس واختفت‬                                              ‫وتشخيص ما يميز ضوابط‬
    ‫مدارس لمجرد الدعم المالي من‬                                           ‫الطهارة بين الذكر والأنثى‪،‬‬
‫سلطة أو من أمير أو من ثري من‬                                            ‫يميز بين ضوابط الميراث بين‬
‫الأثرياء‪ ،‬واختفت أخرى لمجرد أن‬                                         ‫الذكر والأنثى‪ ،‬ضوابط الصلاة‬

                                                                                  ‫بين الذكر والأنثى‪.‬‬
                                                                                     ‫ضوابط التمييز‬

                                                                                    ‫بين الحر والعبد‪،‬‬
                                                                                       ‫يميز في قيمة‬
                                                                                       ‫الدية في حالة‬
                                                                                          ‫القتل بين‬
                                                                                      ‫الذكر والأنثى‬

                                                                                    ‫بين المسلم وغير‬
                                                                                   ‫المسلم‪ ،‬بين الكبير‬
                                                                             ‫وبين الجنين‪ ،‬بل التمييز‬
                                                                      ‫بين قيمة دم الكتابي ودم القتيل‬
                                                                        ‫غير الكتابي‪ .‬وضوابط للتمييز‬
                                                                       ‫بين البشر على أساس الشرف‬
                                                                          ‫والنسب والأصل‪ ،‬في كفاءة‬
                                                                       ‫الزواج‪ .‬مما جعل البنية الفقهية‬
                                                                       ‫هي بنية تمييز بامتياز‪ .‬فالفعل‬
                                                                     ‫الواحد ليس له عقوبة واحدة عند‬
                                                                       ‫الجميع‪ ،‬بل عقوبته تتوقف على‬
                                                                     ‫من فاعله‪ ،‬ذكر أم أنثى‪ ،‬مسلم أم‬
                                                                       ‫غير مسلم‪ ،‬كبير أم صغير‪ ،‬بل‬
                                                                     ‫كونه غنيًّا أم فقي ًرا يحدد النتيجة‪،‬‬
                                                                         ‫ولأن ضابط الفقه يدخل فيه‬
                                                                               ‫بصورة أساسية عامل‬
                                                                               ‫النية‪ ،‬مما يجعل الفعل‬
   115   116   117   118   119   120   121   122   123   124   125