Page 152 - m
P. 152

‫العـدد ‪56‬‬                                ‫‪150‬‬

                               ‫أغسطس ‪٢٠٢3‬‬                             ‫لوصف اللوحات التي ُينظر‬
                                                                       ‫إليها على أنها مجرد نسخ‬
   ‫ويحمل ذلك شهادة على أن‬         ‫تصبح العوالم الافتراضية‬               ‫مقلدة أو محاكاة للوحات‬
‫التفكير البصري لا يقل أهمية‬        ‫‪ Hyperreal worlds‬أكثر‬                  ‫شهيرة‪ .‬وتأسي ًسا على‬
                                  ‫خبرة وذات معنى أكثر من‬
   ‫عن الفهم الإنساني‪ ،‬إن لم‬       ‫العوالم الحقيقية التي ُينظر‬       ‫إدراكه لأصل التسمية في هذا‬
   ‫يكن أكثر منه‪ .‬صحيح أننا‬        ‫إليها على أنها تافهة ومملة‪.‬‬        ‫المصطلح أصر جان بودريار‬
  ‫نعيش في ظل ثقافة بصرية؛‬                                             ‫‪ Jean Baudrillard‬على أن‬
   ‫حيث الصورة أقوى بكثير‬              ‫وفي نهاية المطاف فإن‬          ‫المحاكاة ليست مجرد نسخ أو‬
  ‫‪-‬في تأثيرها الوجداني‪ -‬من‬       ‫انخراط الناس باستمرار في‬           ‫تقليد بسيط‪ ،‬بل هي شكل من‬
   ‫الكلمة المنطوقة‪ ،‬ولكن هذا‬     ‫الافتراضية التي صبغت كل‬
‫تبسيط مخ ٌّل؛ فقد خلق البشر‬    ‫شيء ‪-‬من السياسة إلى الفن‪-‬‬              ‫أشكال الوعي الكاذب الذي‬
   ‫دائ ًما أشكا ًل بصرية طوال‬     ‫يجعلهم محكومين بواسطة‬                 ‫يظهر من تلقاء نفسه بعد‬
 ‫تاريخهم‪ ،‬واعتمدوا عليها في‬     ‫الصور الزائفة‪ .‬وفقط في مثل‬            ‫التعرض للصور‪ ،‬ويتم ذلك‬
  ‫خبرتهم‪ ،‬إلا أن الفارق الآن‬   ‫هذا العالم من الممكن أن تكون‬
   ‫هو الدرجة التي تبدو فيها‬       ‫الدعاية ‪-‬وهي أكبر منتجي‬                 ‫من خلال أربع مراحل‪:‬‬
 ‫الصور البصرية أكثر هيمنة‬         ‫الصور الزائفة‪ -‬قوية ج ًّدا‪.‬‬            ‫‪ -1‬انعكاس أساسي من‬
  ‫في التواصل الاجتماعي مما‬                                               ‫الواقع (الحالة الطبيعية‬
 ‫كانت عليه في أي وقت سابق‬           ‫في فيلم «ماتريكس ‪The‬‬
                                     ‫‪ُ )1999( »Matrix‬يفهم‬                              ‫للوعي)‪.‬‬
      ‫من الماضي‪ .‬وقد برزت‬        ‫تحذير بودريار تما ًما؛ حيث‬         ‫‪ -2‬الانحراف أو الانزياح عن‬
    ‫البلاغة البصرية بوصفها‬      ‫يص ِّور الفيل ُم العال َم الذي يتم‬
   ‫الانضباط الحاسم لدراسة‬        ‫تشكيل الحياة فيه من خلال‬                               ‫الواقع‪.‬‬
   ‫قوة تأثير هذه الصور مع‬      ‫شاشة الكومبيوتر‪ .‬ومثل بطل‬                    ‫‪ -3‬التظاهر بالواقع‪.‬‬
 ‫أدوات الدراسات السيميائية‬         ‫الفيلم الرئيس (نيو ‪)Neo‬‬          ‫‪ -4‬بناء صورة زائفة للواقع‪،‬‬
                                  ‫فإن تجربتنا الواقعية الآن‬               ‫والتي لا علاقة لها على‬
      ‫والتحليل البلاغي؛ لكن‬       ‫على وضع التشغيل «‪»ON‬‬
  ‫التحذير الذي تطلقه سونجا‬       ‫و«عبر» شاشة الكومبيوتر‪،‬‬                       ‫الإطلاق بالواقع‪.‬‬
   ‫ك‪ .‬فوس ‪Sonja K. Foss‬‬        ‫أما وعينا فهو إلى حد كبير ما‬            ‫وكان المثال الذي اعتاد أن‬
  ‫وتعبر عنه ببلاغة (‪،2005‬‬      ‫يتم تشكيله على هذه الشاشة‪،‬‬            ‫يستخدمه للتأكيد على وجهة‬
‫ص‪ )150‬تقول فيه‪« :‬ليس كل‬         ‫والتي ُيطلق عليها اس ٌم تقن ٌّي‬     ‫نظره هو عالم ديزني الخيالي‬
  ‫عنصر بصري هو نوع من‬            ‫هو «المصفوفة ‪»the matrix‬‬              ‫والمملكة السحرية‪ ،‬واللذان‬
‫البلاغة البصرية‪ .‬إن ما يحول‬          ‫بوصفها شبكة المعارف‬              ‫هما نسخة من عوالم أخرى‬
  ‫العنصر البصري إلى منتوج‬           ‫كما ُتعرف في تكنولوجيا‬              ‫متخيلة‪ .‬فهي‪ ،‬إذن‪ ،‬نسخ‬
‫صناعي صريح ‪-‬الرمز الذي‬         ‫الحاسب‪ ،‬وتعني الكلمة نفسها‬
‫ينتقل بوسيلة تواصلية والذي‬       ‫«الرحم ‪ »womb‬باللاتينية‪.‬‬                ‫من نسخ‪ ،‬فيما يعتبرها‬
                                ‫إن السيناريو الواضح للفيلم‬          ‫الناس ‪-‬وف ًقا لخبرتهم‪ -‬أكثر‬
   ‫يمكن دراسته بلاغيًّا‪ -‬هو‬          ‫يتمحور حول أن الناس‬
 ‫وجود ثلاث خصائص‪ :‬يجب‬          ‫يولدون الآن من خلال نوعين‬                 ‫واقعية من الواقع‪ ،‬إنهم‬
                                    ‫من الأرحام‪ :‬البيولوجية‬               ‫يزيفون الصور الماضية‬
    ‫أن تكون الصورة رمزية‬                                              ‫المستنسخة؛ ليخلقوا بيئتهم‬
     ‫‪ ،symbolic‬وأن تنطوي‬               ‫والتكنولوجية في آن‪.‬‬             ‫الاجتماعية الجديدة‪ .‬ومن‬
   ‫على تدخل بشري ‪human‬‬              ‫إن الثقافة لا توجد بدون‬            ‫خلال الصور الزائفة يرى‬
  ‫‪ ،intervention‬وأن ُتعرض‬      ‫تقاليد وعادات نصية بصرية‪،‬‬                ‫بودريار أن الناس يبنون‬
‫على الجمهور بهدف التواصل‬                                              ‫هوياتهم الاجتماعية‪ ،‬ويرى‬
                                                                        ‫أن لهذا الفعل آثا ًرا بعيدة‬
                      ‫معه»‬                                               ‫مثيرة للعاطفة‪ .‬ومن ثم‬
   147   148   149   150   151   152   153   154   155   156   157