Page 85 - m
P. 85
83 إبداع ومبدعون
القصة في اليمن
بأنه يعرف العوم ،وأن المشكلة أن النظارة انكسرت
ولم يعد يرى شيئًا .وأخبره أن يسبح أمامه وهو
سيسبح وراءه .طمأنه زميله بأن الشاطئ على
بعد أمتار .وسبح أمامه .ثم توقف عند الشاطئ،
وعرف أنه لن يتمكن من الصعود ،كتفه مخلوع
وركبته مهشمة .هبطت الفرقة كلها وشبكوا أياديهم
وسحبوه إلى الشاطيء ،اقترحوا أن يحملوه إلى
مستشفى بركة السبع أو مستشفى الطوارئ في
طنطا لكنه رفض .رفض بحدة صعيدية لا يمكن
فهمها.
طلب أن يوصلوه إلى البيت ،صعد إلى شقته وأخذ
حما ًما دافئًا ونام ،وبعد ساعة استيقظ مل ًقى
على الأرض يبدو أنه أغمى عليه .ونار في مناطق
الكسور .اتصل بأحمد مصطفى زميله في الشغل،
عنده عربية لادا ،جاء وحمله إلى المدينة الطبية في
سوق الجبان .وهناك عمل أشعات أظهرت كسو ًرا
في عظمة الترقوة وتمز ًقا في أربطة الكتف.
***
في القهوة في ميدان الساعة تركه أحمد مصطفى
لأن عنده ميعاد في كفر الزيات .طلب صلاح حجر
معسل آخر .وجلس يدخن وهو حزين لأنه أفلت
من الموت .لماذا أُنقد؟ من أنقذه؟ لماذا لم يترك نفسه
يغرق؟ يخرج دخا ًنا كثي ًفا من أنفه ويفكر بأنه
لو ترك نفسه يغرق ،كان سيكون غير موجود
الآن ،ساكن في راحة أبدية ،ياه كم هو مريح أن
يكون قلب المرء خاليًا من الهم ،وهو هناك يرقد
مستري ًحا في الأبدية؟ لم انبثقت تلك الفكرة الغريبة
من الداخل ،وجاءت لتذكره بالعوم؟ من هذا الذي
يصر على أن أبقى حيًّا؟ وجاءت الفكرة مزينة
بالدهشة والعجب؛ من يعمل في داخله خائن مثل
أخيه إسماعيل ،لقد خانه وأنقذه .هناك شخص
يعمل ضده في داخله ويزين له الحياة .شعر بنفس
المعسل جمي ًل ومرت فتاة حلوة وفكر في الزواج،
هناك في الدخل من يستلذ بطعم المعسل ويرى
تقسيمات جسد الفتاة التي مرت ويحميه من الغرق،
وينتظر النسمة التي سوف تهب بعد قليل من نوافذ
المقهى القديم ،ويفكر في أنه قد يحصل على علاوة
الشهر القادم وقد يتوسط له أحمد مصطفى لكي
يدخل كنترول دبلوم المدارس الصناعية.