Page 90 - m
P. 90
العـدد 56 88
أغسطس ٢٠٢3
محمد صالح مج ِّيد
(تونس)
لن أموت يوم أحد
هكذا كان ينهي جلسة تدوم أكثر من ساعتين على لا شيء يطمئن إلى ميتة مريحة يو َم أحد ..يو َم
عتبة الدكان. الأحد مات صديقي «محمد جبنون» ولا أريد أن
أذهب إلى ذلك المكان الجميل في اليوم نفسه الذي
*** غادر فيه الحياة ..لا أعتقد أن «عزرائيل» سيتحمل
محمد جبنون نسخة غير مطابقة لأصل ..هو من قبض روح ْينا في يوم واحد ..إذا كان «محمد
الذين لا يتك َّررون ..كان حلو الحديث يحسن توزيع جبنون» الذي لا يباريه أحد في الكلام قد صمت في
هذا اليوم فهذا يعني أن الأحد ،دون أيام الأسبوع
النكتة وتصريف الكلام بلباقة لا تتاح إلا لأقليَّة.. الأخرى ،مشؤوم ..بصراحة وباختصار يوم الأحد
لا يذكر أحد أنه خاصم قريبًا أو بعي ًدا أو اهتم بما الذي انتهت فيه حياة محمد جبنون جدير بأن يلعن
عند الآخرين ..جالس السكارى وأح َّب منادمتهم ويسب «ج ُّد أصله».
وحديثهم لكنَّه لم يحت ِس كأ ًسا .كان جدي ًرا بأن
***
يبقى كما بقي أوغاد أطال الله عمرهم ..عاش
عمره يركب دراجة هوائية يتمايل معها كما رحل «محمد جبنون» هكذا بك ِّل بساطة ..فعلها
يوم أحد وهو الذي كان ينبض حياة وسخرية
تميل في حركة ميزته. من الزمن ..أسلم روحه لخالقها يوم أحد دون أن
موته بعد مرض ألزمه الفراش يأكل برتقالة العادة التي كان ينتقيها من دكان
«توفيق» بحرص شديد على إغاظة صاحبها ..مات
آلمني .طبعي عندما أفقد بعد أن ترك جملة ستغفر له ك َّل الذنوب الصغيرة
عزي ًزا أحبّه أن أختار تعزية التي ارتكبها ..سئل عن المرأة فنصح بأن يتزوج
الواحد -إكرا ًما لنفسه -نصف عاهرة..لا متهتِّكة
بعض أقاربه لا كلهم ..في حد الفضيحة ولا خجول حد التكلُّس .قالها ببساطة
لحظة صدق أكون حاز ًما العارف وبقيت مث ًل في قريتي الصغيرة ..ولكن لماذا
مات يوم أحد؟ اليوم الذي يكون فيه دكان «توفيق»
ولا أم ُّد يدي لشخص بائع الخضار والغلال مكت ًّظا وكان يجد فيه فرصة
كثي ًرا ما اشتكى لي منه
الميت ،وأعتبر تعزيته خيانة ليتقن لعبة إغاظته.
-ك ُّل ما يبيعه توفيق «سقاطة»( )1فاحذروه
للمدفون ،هذا شأني
مع من أحبهم واحذروا سلعته»!
فقط .أ َّما البقية
فأؤدي واجب
العزاء كأي شخص
منضبط لنواميس القرية،