Page 89 - m
P. 89

‫‪87‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫القصة في اليمن‬

    ‫كان الطفل ملتح ًفا بسواد من الوبر عدا ُم ْقلتيه‬
                ‫وحول ثغره وباطن يده وقدميه‪.‬‬

  ‫ولولت حنان وسرعان ما قطمت نحيبها مع أول‬
‫صرخة للطفل‪ .‬رقت له وأخذ قلبها يخفق وصدرها‬

  ‫يتمرد بداخله اللبن‪ .‬تناولته ورضع حتى سكت‪،‬‬
  ‫رضع كثي ًرا كطفل عمره أشهر‪ ..‬تعجبت من ذلك‬

                    ‫لكن فرحها به غلب ارتيابها‪.‬‬
 ‫راح مسعد خلف حمارة الداية لاهثًا غار ًقا جلبابه‬

            ‫فيما جف من وحل‪ ،‬وقدماه حافيتان‪:‬‬
       ‫‪ -‬ست جملات‪ ..‬ست جملات‪ ..‬ماله الواد‪.‬‬
  ‫تهربت جملات كثي ًرا‬
   ‫وبعد إلحاح نطقت‪:‬‬
    ‫‪ -‬ربنا يعينك على‬
   ‫أيامك الجاية يا أبو‬

                 ‫وزة‪.‬‬
‫عاد محسو ًرا حاس ًرا رأسه‬

  ‫بأشنوطة من الخيش هر ًبا من‬
 ‫فورة الدم الذي طفطف برأسه‪ ،‬وبينما‬

  ‫هو في طريق بيته وال ُكحل يغمره‪ ،‬نمى إلى‬
               ‫سمعه ما يقوله المارة‪ ،‬كل المارة‪:‬‬

      ‫‪ -‬مسخوط‪ ..‬يارب ارفع مقتك وغضبك عنا‪.‬‬
                     ‫‪ -‬قرد‪ ..‬قرد معقولة يا بت‪.‬‬

                 ‫‪ -‬أيوة قرد والعيا ُذ بالله يا ِس ْه‪.‬‬
        ‫قرد‪ ..‬ضغطت حروفها العجوز‪ ،‬وأردفت‪:‬‬

               ‫‪ -‬نجاسة يا بنتي دي عاشقة جن!‬
   ‫ازدرد الرجل فضيحته مع ريقه‪ ،‬وما إن وصل‬
‫البيت حتى وجد الطفل غار ًقا في النوم على يد أمه‪،‬‬
     ‫وعبارات الشماتة والتندر تطوف حول البيت‪.‬‬
  ‫َسحبه برفق وعيناه ترقبان حنان وتهطل دمو ًعا‬

                                       ‫ساخنة‪:‬‬
                          ‫‪ -‬تعاا يا ابن الشييي!‬
    ‫أخذه للدار وحفر في زاويته ولا زال يبكي‪َ ،‬ه َّم‬
 ‫بدفنه‪ ،‬عانقت يد الطفل إبهام أبيه‪ ،‬حاول التخلص‬
    ‫منها وهو ينتحب كالطفل‪ ،‬لم يفلح في فك يده‪،‬‬
    ‫وجد أمامه منج ًل مغرو ًسا في الحائط‪ ،‬قطع يد‬
‫الطفل مترد ًدا‪ ،‬ظلت هناك تحتضن إبهامه‪ ،‬أخذ يئن‬
                       ‫وتصطك أسنانه ويرتعد‪.‬‬
‫خرج وترك إبهامه مع الطفل‪ ،‬وصار أبو وزة‪ ،‬منذ‬

                            ‫ذلك اليوم‪ ،‬أبو كفة!‬
   84   85   86   87   88   89   90   91   92   93   94